بحيث ينتزع هذا المفهوم من ذلك الشيء الخارج ، وإنّما يصفه الذهن بتعامل فكري قد أوضحه المحققون في محلّه.
لا أقول : إنّ هذه المفاهيم من مصنوعات الذهن ، ومفتعلاته التي لا صلة لها بالخارج أبداً ، لأنّ كلّ ما في الذهن لابدّ وأن يرجع بنحو من الأنحاء إلى الخارج ولكن كون الخارج مبدأً لوقوع هذه المفاهيم في الذهن ، غير وجود مصداق خارجي له.
ونأتي هنا بأمثلة :
فإنّ هذا المفهوم المقيّد بالكلّية ليس له وجود إلاّ في محيط الذهن ، فإنّ الإنسان وإن كان موجوداً في الخارج لكنه جزئي متشخّص ، بخلاف مفهوم الإنسان الذي له سعة أن يشمل كلّ فرد من أفراده ، والمفهوم بهذه السعة غير موجود إلاّ في الذهن ، فإنّ كلّ ما في الخارج أمر جزئي متشخّص ومتعيّن ، والمفهوم الكلّي الوسيع خال عن التشخّص والتعيّن ، بدليل صدقه على هذا المتشخّص ، وذاك المتعيّن ومع ذلك فهذا المفهوم الكلّي يصنعه الذهن بمقايسة بعض الأفراد ببعض ، وانتزاع المشتركات منها.
وعلى الجملة فهذا المفهوم ( أي مفهوم الإنسان الكلّي ) معلوم لنا ، والنفس واقفة عليه ، غير أنّه ليس من قبيل « الصورة الحاصلة من الشيء في الذهن » وإنّما هو من مخلوقات الذهن ومصنوعاته بعد اتّصاله بالواقع الخارجي ، ومشاهدة أفراده ومصاديقه.