والمفيض لكلّ شيء أوفى بكلّ كمال ، لئلا يقصر معطي الكمال عنه ، فكان الواجب عالماً ، وعلمه غير زائد على ذاته (١).
الدليل الثاني : لا شكّ انّ الموجود المادي ـ بما له من وجود مادي ـ تغيب بعض أجزائه عن بعضه.
فالمادة بما أنّها متكمّمة ( أي لهاكم ) ذات أبعاض وأجزاء ولا يكون لها وجود جمعي لا يجتمع مجموع أجزائها في مقام واحد.
وبعبارة اُخرى : إنّ الكائن المادي بملاحظة كونه متكمِّماً متفرّق الأجزاء ولهذا تغيب بعض أجزائها عن البعض الآخر.
كما أنّه بحكم كونه موجوداً زمانياً تدريجياً وذا وجود سيّال ، متدرّج في عمود الزمان يقع بعضه في ما مضى من الزمان وبعضه الآخر في الحال ، وبعضه في المستقبل ولهذا لا يمكن أن يحصل ذاته بجميع أبعادها وخصوصيّاتها لديه جملة واحدة.
وبذلك تكون غيبة المادة زماناً وأبعاضاً أمراً مضاداً مع حضور الذات ، وما ذلك إلاّ لكون المادة ـ كما أسلفنا ـ شيئاً متكمّماً ذات كمّية وذات أجزاء وأبعاض ، أو زمانيّاً واقعاً بعضه في زمان ، وبعضه الآخر في زمان آخر.
وهذا يعني : إنّ التبعّض ، والتدرّج موانع وحواجب تحجب الشيء عن نفسه ، وتمنع من علم الشيء بكلّ ذاته.
وأمّا اذا كان الموجود منزّها عن عوامل الغيبة هذه ، كما لو كان مجرّداً منزّهاً عن المادة والماديّة وعن التبعّض العنصري المكاني ، أو التدرّج الزماني بل كان وجوداً بسيطاً من غير أن يكون له أجزاء وأبعاض وأطراف ، كانت ذاته حاضرة لديه
__________________
(١) الاسفار : ج ٦ ، ص ١٧٦.