قال العلاّمة الحلّي رحمهالله :
« إنّ كلّ موجود سواه ، ممكن ، وكلّ ممكن فإنّه مستند إليه ، فيكون عالماً به سواء أكان جزئياً أم كلّياً ، كان موجوداً قائماً بذاته أو عرضاً قائماً بغيره ، وسواء أكان موجوداً في الأعيان أو متعقّلاً في الأذهان ، لأنّ وجود الصورة في الذهن من الممكنات أيضاً فسيتند إليه ، وسواء كانت الصورة الذهنية صورة أمر وجودي أو عدمي ممكن ، أو ممتنع ، فلا يعزب عن علمه شيء من الممكنات ولا من الممتنعات.
ثمّ انّ العلاّمة رحمهالله وصف هذا الدليل بأنّه برهان شريف قاطع (١).
والحاصل : انّ وزان الممكن بالنسبة إلى الواجب وزان المعنى الحرفي بالنسبة إلى المعنى الاسمي ، ووزان الوجود الرابط بالنسبة إلى الوجود التام المستقل ، فليس للمعلول واقعيّة سوى القيام والارتباط والتدلّي بالعلّة.
فما سوى الله ـ ماديّاً ومجرّداً ، جوهراً وعرضاً ـ مخلوق له ، فهو في عين الوجود قائم به قيام المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي ومرتبط به ، وما هذا هو حاله لا يمكن أن يكون غائباً عن الله مستوراً عليه ، لأنّه وجوده قائم بوجود العلّة ، كما يكون المعنى الحرفي قائماً بالمعنى الاسمي.
وإن شئت قلت : إنّ وزان الممكن بالنسبة إلى الواجب وزان الفقير المطلق بالنسبة إلى الغني ، فالعالم بحكم فقره المطلق محتاج إليه في وجوده وتحقّقه ، في حدوثه وبقائه ، وما هذا شأنه لا يمكن غيابه ، لأنّ غيابه عن العلّة مساوق للإنعدام.
لقد أثبتت البراهين القاطعة على أنّ وجوده سبحانه مجرّد عن المادة والمدّة ،
__________________
(١) كشف المراد : ص ١٧٥.