بالوحي ، فإنّه لا يستخدم الأرقام والأعداد الرياضية وحتّى النجوميّة منها ، لانتهائها إلى حد ، بل يأتي بمثل رائع يبيّن سعة علمه ، إذ يقول عزّ وجلّ : ( وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ( لقمان / ٢٧ ).
إنّك لا تجد أي رقم رياضي مهما كان عظيماً وهائلاً ونجوميّاً قادر على تصوير سعة علمه سبحانه مثلما يصفها قوله : ( مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ ).
فلو قال أحد : إنّ مقدار علمه ـ بلغة الحساب ـ هو العدد الواحد أمامه عشرات الأصفار لما أفاد هذا الرقم ما أفاده قوله : ( مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ ).
وبذلك تقف على حقيقة قوله سبحانه : ( وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) فإنّه يعبّر عن محدوديّة المقاييس والمقادير والمعايير البشرية ، كما يعبّر عن ضآلة علمه وضحالة معارفه.
قد عرفت البرهان الواضح على علمه سبحانه بالجزئيات وتبيّن لك أنّ الكون ـ بحكم كونه محتاجاً إلى المحدث حدوثاً وبقاء ـ وبحكم أنّ الله سبحانه موجد ومبدع في كل آن ولحظة ، فلا يمكن للكون أن يغيب عن ساحة العلّة ، وما هذا شأنه فهو ملازم للحضور ، وليس للعلم حقيقة وراء ذلك.
إذا وقفت على ذلك فهلمّ إلى دراسة ما يقوله النافون ، وما يقيمونه من دليل ، وهو لا يتعدّى دليلاً واحداً وقد عبّر عنه بتعابير مختلفة.
الأوّل : العلم بالجزئيات يلازم التغيّر في علمه
لو علم سبحانه بالجزئي على وجه يتغيّر لزم تغيّر علمه تعالى عند تغيّر المعلوم وهو محال.