ويمكن توضيحه بوجه آخر أشار إليه المحقّق القوشجي في شرحه لتجريد الاعتقاد إذ قال : « إنّ علمه تعالى ليس زمانيّاً أي واقعاً في زمان كعلم أحدنا بالحوادث المختصّة بأزمنة معيّنة فإنّه واقع في زمان مخصوص ، فما حدث منها في ذلك الزمان كان واقعاً في الحال ، وما حدث قبله أو بعده كان واقعاً في الماضي أو المستقبل ، وأمّا علمه تعالى فلا اختصاص له بزمان أصلاً فلا يكون ثمّة حال وماض ومستقبل ، فإنّ هذه صفات عارضة للزمان بالقياس إلى ما يختص بجزء منه إذ الحال معناه زمان حكمي هذا ، والماضي زمان قبل زمان حكمي ، والمستقبل زمان هو بعد زمان حكمي هذا فمن كان علمه أزليّاً محيطاً بالزمان وغير محتاج في وجوده إليه ، وغير مختص بجزء معين من أجزائه ، لا يتصور في حقّه حال ولا ماض ولا مستقبل فالله سبحانه عالم عندهم بجميع الحوادث الجزئيّة وأزمنتها الواقعة التي هي فيها لا من حيث إنّ بعضها واقع في الآن ، وبعضها في الماضي وبعضها في المستقبل ، بل يعلمها علماً شاملاً متعالياً عن الدخول تحت الأزمنة ثابتاً أبد الدهر ، وبعبارة اُخرى إنّه تعالى لمّا لم يكن مكانياً كان نسبته إلى جميع الأمكنة على السواء فليس فيها بالقياس إليه قريب وبعيد ومتوسط كذلك لما لم يكن هو تعالى وصفاته الحقيقيّة زمانيّة لم يتصف الزمان مقيساً إليه بالمعنى ، والاستقبال والحضور بل كان نسبته إلى جميع الأزمنة على السواء ، فالموجودات من الأزل إلى الأبد معلومة له كل في وقته ، وليس في علمه كان وكائن وسيكون ، بل هي حاضرة عنده في أوقاتها ، فهو عالم بخصوصيّات الجزئيات وأحكامها لكن لا من حيث دخول الزمان فيها بحسب أوصافها الثلاثة إذ لا تحقّق لها بالنسبة إليه تعالى ، ومثل هذا العلم يكون ثابتاً مستمرّاً لا يتغيّر أصلاً كالعلم بالكلّيّات (١).
هذا ما ردّ به القوم على الإشكال من الجواب.
ويمكن توضيحه بوجه آخر من دون تمسّك بأنّ التغيّر في الاضافات بأن نقول إنّ الإشكال إنّما يتوجّه إذا كان علمه تعالى حصولياً وإنّه سبحانه يصل إلى الجزئيات
__________________
(١) شرح التجريد للقوشجي : ص ٣١٤.