وربّما نسب إلى الحكماء القول بأنّه سبحانه لا يقدر على أكثر من الواحد وحكموا بأنّه لا يصدر عنه إلاّ شيء واحد (١).
هذه صورة تاريخيّة عن نشأة هذا الرأي أي تحديد قدرة الله ، ويبدو أنّ أكثر هٰؤلاء إمّا تأثّروا ببعض المناهج الفلسفيّة المترجمة ، كما أن بعضهم لم يدرك حقيقة القول بسعة قدرته ، وإذا شرحنا حقيقة المقال تقف على سقوط الآراء الثلاثة الأخيرة المنسوبة إلى السيمري والبلخي والجبائيين.
إنّ المقصود من عموم قدرته سبحانه هو سعتها لكل شيء ممكن ، بمعنى أنّه تعالى يقدر على خلق كل ما يكون ممكناً بذاته غير ممتنع كذلك ، وهذا الوصف العنواني رهن اُمور :
أوّلاً : أن لا يكون الشيء ممتنعاً بالذات مثل أن يكون من قبيل جعل الشيء الواحد متحرّكاً وساكناً في آن واحد وهو أمر ممتنع.
فإنّه لا شك في أنّ هذا الامتناع مانع من شمول القدرة لهذا المورد ونظائره.
ثانياً : أن لا يكون هناك مانع من نفوذ قدرته ، وشمولها وهذا لا يكون إلاّ بوجود قدرة مضاهيّة ، معارضة ، مانعة ، من نفوذها.
ثالثاً : أن لا تكون قدرة القادر محدودة ، مضيّقة في ذاتها.
وهذه الشرائط كلّها موجودة في حقّ الواجب.
أمّا الأول : فلأنّ المقصود من عموميّة قدرته تعالى هو شمولها لكل أمر ممكن ، دون الممتنع بالذات ، فلا تتعلّق القدرة الالهية بالممتنع ذاتياً ، وهو بالتالي
__________________
(١) النسبة في غير محلّها ، وسيوافيك مرامهم.