حول الأقوال السابقة
بعد أن عرفت أدلّة القائلين (١) بعموميّة القدرة الإلهيّة. حان الأوان لتقييم ما قاله بعض أئمّة المعتزلة وأقاموه لتحديد قدرته فنقول :
لقد عرفت في مفتتح البحث أنّ الذي جرّ النافين لعموميّة القدرة إلى مثل هذا الموقف الذي يضادّ الفطرة مضافاً إلى مضادّته للبراهين العقليّة القاطعة ، وما دلّ عليه الكتاب والسنّة من النصوص الصريحة هو الشبهات التي ألقاها البعض في هذا المجال.
فلقد استدلّ « النظام » لعدم عموميّة قدرته تعالى بأنّه لا يقدر على القبيح وإلاّ لصدر عنه فيكون فاعلاً جاهلاً أو محتاجاً وهو محال فلا يكون قادراً على القبيح.
ونظنّ انّ « النظام » خلط موضع البحث بشيء آخر فإنّ البحث إنّما هو في عموم القدرة والاقتدار وانّه سبحانه قادر على كل شيء قبيحاً كان أو غيره ، أي أنّ القبيح وغيره عنه قدرته سواء أي كما أنّه سبحانه قادر على ارسال المطيع إلى الجنّة قادر على إدخاله في النار ، وليس هنا ما يعجزه عن ذلك.
إلاّ أنّه لمّا كان هذا العمل قبيحاً مخالفاً لعدله وقسطه لا يفعله سبحانه ، ولا يرتكبه لأنّ الدافع إلى ارتكاب القبيح امّا الجهل بالقبح ، أو الحاجة إلى العمل القبيح ، وكلاهما منفيّان عن ساحته المقدّسة ، فلا يصدر منه الفعل اختياراً لأنّ هذه الموجبات والدواعي منتفية لديه سبحانه لا أنّه غير قادر عليه أو عاجز عن فعله.
فكم فرق بين عدم القيام بشيء لعدم توفّر الداعي إليه ، وبين عدم القدرة عليها أصلا.
__________________
(١) وهم كل علماء الامامية.