وإن شئت قلت : إنّ الممكن وإن كان مستوراً علينا وقوعه ولا وقوعه ، غير أنّه في نفس الأمر محقّق الوقوع لوجود علّته أو محقّق العدم لعدم وجود علّته ، وعدم علمنا بأحد الطرفين لا يضرّ بوجوب وجوده أو امتناعه وجوباً وامتناعاً عارضيّاً بالغير.
وكل شيء في صفحة الوجود لا يخلو عن أحد هذين الوصفين ، فيلزم أن لا يجوز توصيف شيء من الأشياء حتّى الإنسان بالقدرة لأنّه إذا قيس بفعل من الأفعال فهو في نفس الأمر امّا محقق الوقوع لوجود علّته التامّة ، أو ممتنع الوجود لعدم وجود علّته التامّة.
وممّن اختار عدم سعة قدرته ، المتكلّم المعروف بالكعبي إذ قال : « إنّ الله تعالى لا يقدر على مثل مقدور العبد لأنّه امّا طاعة أو معصية أو عبث وكلّها مستحيلة عليه تعالى ».
توضيحه : إنّ فعل الإنسان امّا طاعة أو معصية أو عبث ، لأنّه إمّا أن يقع لغرض أو لا ، والثاني عبث ، والأوّل امّا أن يقع موافقاً للأوامر الشرعيّة أو لا ، والأوّل طاعة والثاني معصية ، ففعل الإنسان لا يخلو عن أحد هذه الأوصاف الثلاثة ، فلو قدر الله على مثله لوصف فعله بالطاعة أو المعصية أو العبث ، والأوّلان يستلزمان أن يكون لله تعالى آمر ، وهو محال.
والأخير يدخل تحت عنوان القبيح المستحيل عليه فلا يقدر على مثل مقدور الإنسان ، وهو المطلوب.
ونقول في الجواب : لقد عزب عن « الكعبي » أنّ عدم قيامه بالقبيح ( العبث ) ليس لعدم قدرته عليه ، بل لأجل حكمته العالية الصارفة عن القيام به ، فعدم القيام بالشيء لأجل مخالفته لمشيئته الحكميّة ، لا يعد دليلاً على عدم قدرته ، وقد أوضحنا حاله.