وأمّا المثالان الأوّلان ( الطاعة والمعصية ) ، فالطاعة والمعصية ليستا من الاُمور الحقيقية القائمة بالشيء ، بل هما أمران ينتزعهما العقل من كون الفعل مطابقاً للمأمور به ، أو كونه مخالفاً له ومن نسبة الفعل إلى الأمر الصادر من المولى الواجب طاعته والمحرّم عصيانه.
وإن شئت قلت : ينتزع وصف الطاعة من مطابقة الفعل لأمر الآمر به ، والعصيان من مخالفة الفعل مخالفاً لذلك الأمر وليس هذان المفهومان من الاُمور الذاتية ، ولا من الأعراض الحقيقيّة.
فلا إشكال في قدرته سبحانه على مثل ما قام به العبد بما هو مثل ، أي أن يكون فاعلاً لمثل الفعل الذي يقوم به الإنسان من حيث الذات والهيئة.
وأمّا عدم اتّصاف فعله سبحانه حينئذ بوصف الطاعة والعصيان فلا يوجب عدم قدرته تعالى على مثل ما يأتي به الإنسان لأنّ الملاك في المثليّة هو واقعيّة الفعل وحقيقته الخارجيّة لا عنوانه الاعتباري ، ولا ما ينتزع من نسبة الشيء إلى الشيء ، فإنّ هذه الاُمور الانتزاعيّة أو الشيء المنتزع من النسبة غير داخلة في حقيقة الشيء.
وإلى ما ذكرنا ينظر كلام العلاّمة في شرح التجريد :
« إن الطاعة والعبث وصفان لا يقتضيان الاختلاف الذاتي » (١).
وإليك نقطة مهمّة يجب التنبيه عليها وهي :
إنّ هاهنا أفعالاً مباشريّة للإنسان كالصيام والقيام والأكل والشرب ، فإنّها
__________________
(١) كشف المراد شرح التجريد للعلاّمة الحلّي : ص ١٧٤ طبعة صيدا ، والمراد لا يقتضيان الاختلاف الذاتي أي لا يوجب اختلافا في ماهيّة العمل لأنّهما خارجان عن حقيقتة وماهيّته ، لكونهما منتزعان من نسبة حاصلة من موافقة فعل العبد لأمر المولى في الطاعة ومخالفته في جانب المعصية.