غير أنّنا بيَّنا وهنَ هذه النظرية وأنّ الثنوية باطلة في عامّة المجالات وأنّه لا فاعل مستقلّ ولا مؤثّر في صفحة الوجود إلاّ « الله ».
فكل فاعل سواه سبحانه ، سواءً كان مختاراً أو غيره إنّما يؤثّر ويقوم بأفعاله بقدرته وحوله.
فعند ذلك يكون نفس مقدور العبد وفعله ، مقدوراً لله سبحانه ، وفعلاً له لكن لا فعلاً بالمباشرة ، بل فعلاً بالتسبيب.
وقد أوضحنا حال هذه المسألة في أبحاث التوحيد الخالقي.
ثمّ إنّ الكلام في سعة القدرة يطرح على وجهين :
الأوّل : ما عرفت مفهومه وأدلّته وأنّه قادر على كل شيء ممكن سواء صدر منه أو لم يصدر إذ من الممكن أن يكون الشيء ممكنا ولا يصدر عنه لحكمة خاصّة كصدور القبيح وغيره.
الثاني : وهو ما طرحه الحكماء في كتبهم ، ويغاير ما سبق ، وحاصله : إنّ الظواهر الكونية ، مجرّدها ومادّيها ، ذاتها وفعلها ، كلّها تنتهي إلى قدرته سبحانه ، فكما أنّه لا شريك له سبحانه في ذاته كذلك لا شريك له في الفاعليّة.
وكل ما هو موجود سواء كان جوهراً أو عرضاً ، مادّيّاً أو مجرّداً ، ذاتاً أو فعلاً فالجميع صادر عنه سبحانه على نحو الأسباب والمسبّبات ، فليس هناك موجود ممكن جوهراً كان أو عرضاً ، ذاتاً كان أو فعلاً لا يستند في تحقّقه ووجوده إليه سبحانه.
وهذا هو التوحيد الأفعالي الذي قدّمنا الكلام عنه عند البحث عن التوحيد ، وهذا المعنى هو الذي طرحه الحكماء في كتبهم الفلسفية.