قد وقفت على أنّه سبحانه علّل قوله : ( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ) بكونه لطيفاً خبيراً ، فاللطيف تعليل للحكم السلبي ، والخبير تعليل للحكم الإيجابي ، وعلى ذلك فالله سبحانه فوق أن يكون مرئيّاً للأبصار ، محاطاً بالجهة والمكان ، فمن كان هذا خصيصته ، لا يرى في الدنيا والآخرة.
ولكن الأسف إنّ هذا الأصل العقلي قد وقع مورد نقاش بين المسلمين فذهبت طائفة إلى امكان رؤيته في الدنيا والآخرة كما ذهبت طائفة اُخرى إلى التفصيل وهو أنّه سبحانه لا يرى في الدنيا ويرى في الآخرة تبعاً للحديث النبوي : « إنّكم سترون ربّكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر » (١) وإليك التفصيل.
اتّفقت العدلية على أنه سبحانه ليس جسماً ولا له جهة ، وبالتالي لا يمكن رؤيته لا في الدنيا ولا في الاخرة ، وأمّا غيرهم فالمجسّمة الذين يصفون الله سبحانه بالجسم ويثبتون له الجهة جوّزوا رؤيته في الدارين.
وأمّا الأشاعرة فهم يعدّون أنفسهم من أهل التنزيه ولكنّهم يقولون بالرؤية يوم القيامة فقط (٢).
وقد ذكر الإمام أبو الحسن الأشعري أقوالاً في الرؤية تربو على تسعة عشر قولاً ، غير أنّ أكثرها سخافات ومن عجيب ما جاء في خلال تلك الأقوال : إنّ « ضراراً » و « حفصا الفرد » يقولان : إنّ الله لا يرى بالأبصار ، ولكن يخلق لنا يوم القيامة حاسّة سادسة غير حواسّنا فندركه بها.
قال الحسين النجّار : إنّه يجوز أن يحوّل العين إلى القلب ويجعل لها قوّة
__________________
(١) مسند أحمد : ٣ / ١٦.
(٢) المواقف : ج ٢ ، ص ٣٦٨.