الرؤية بعد دراسة تركيب العين وأجهزتها ، وحداهم البحث إلى دعم القول الأوّل لكن بصورة أدق ، وعلى ذلك فالرؤية بالأبصار والعيون المتعارفة لا تتحقّق إلاّ أن يكون المرئيّ في جهة ومكان ومسافة خاصّة بينه وبين الرائي ، ولا محيص في تحقّق الرؤية عن المقابلة ، وفي ضوء ذلك نحكم بامتناع وقوع الرؤية على الله سبحانه لاستلزامه كونه ذا جهة ومكان خاص حتى تتحقّق الرؤية ، وما ذكرناه وإن كان كافياً في إبطال الرؤية ولكن تكميلاً للبحث نأتي بأدلّة المنكرين وهو دليل واحد يقرّر بوجوه.
« إنّ الله تعالى ليس في جهة ولا في مكان بدليل أنّ ما كان في الجهة والمكان مفتقر إليهما وهو محال عليه. والله تعالى ليس بمرئيّ بدليل أنّ كل مرئي لابد أن يكون في جهة (١).
وكل من نفى الرؤية يعتمد على ذلك البرهان وحاصله أنّ الرؤية إنّما تصحّ لمن كان مقابلاً أو في حكم المقابل والمقابلة إنّما تكون في حقّ الأجسام ذوات الجهة والله تعالى ليس في جهة فلا يكون مرئياً.
ويمكن تقرير البرهان بصورة اُخرى وهو أنّ الرؤية إمّا أن تقع على الذات كلّها أو على بعضها ، فعلى الأوّل يلزم أن يكون محدوداً متناهياً محصوراً شاغلاً لناحية من النواحي وخلوّ النواحي الاخرى منه تعالى وذلك مستحيل ، وإمّا أن تقع على بعض الذات فيلزم أيضا أن يكون مركبّاً متحيّزاً ذا جهة إلى غير ذلك من التوالي الفاسدة الباطلة المرفوضة في حقّه تعالى.
هذا ويمكن تقريره بوجه ثالث هو أنّ الرؤية بأجهزة العين نوع إشارة بالحدقة وهو سبحانه منزّه عن الإشارة.
__________________
(١) مجموعة الرسائل العشر ، المسئلة ١٦ ـ ١٧.