وأمّا الكبرى فإليك بيانها :
إنّ كل حقيقة من الحقائق إذا تجرّدت عن أي خليط وصارت صرف الشيء لا يمكن أن تتثنّى وتتعدّد ، من غير فرق بين أن يكون صرف الوجود أو يكون وجوداً مقروناً بالماهيّة كالماء والتراب وغيرهما ، فإنَّ كل واحد منها إذا لوحظ بما هو هو عارياً عن كل شيء سواه لا يتكرّر ولا يتعدّد ، فالماء بما هو ماء لا يتصور له التعدّد إلاّ إذا تعدّد ظرفه أو زمانه أو غير ذلك من عوامل التعدّد والتميّز.
فالماء الصرف والبياض الصرف والسواد الصرف ، وكل شيء صرف ، في هذا الأمر سواسيه ، فالتعدّد والاثْنَيْنيّة رهن اختلاط الشيء مع غيره.
وعلى هذا ، فإذا كان سبحانه ـ بحكم أنّه لا ماهيّة له ـ وجوداً صرفاً ، لا يتطرّق إليه التعدّد ، لأنّه فرع التميّز ، والتميّز فرع وجود غَيْريّة فيه ، والمفروض خُلُوّه عن كل مغاير سواه ، فالوجود المطلق والتحقّق بلا لون ولا تحديد ، والعاري عن كل خصوصيّة ومغايرة ، كلّما فرضتَ له ثانياً يكون نفس الأوّل ، لا شيئاً غيره ، فالله سبحانه بحكم الصغرى صرف الوجود ، والصرف لا يتعدّد ولا يتثنّى. فينتج : أنَّ الله سبحانه واحدٌ لا يتثنّى ولا يتعدّد.
قلّما نجد عقيدة في العالم تعاني من الإبهام والغموض كما تعاني منها عقيدة التثليث في المسيحية.
إنّ كلمات المسيحين في كتبهم الكلامية تحكي عن أنَّ الإعتقاد بالتثليث من المسائل الأساسية التي تبنى عليها عقيدتهم ، ولا مناص لأي مسيحي من الإعتقاد به ، وفي الوقت نفسه يعتقدون بأنّه من المسائل التعبّديّة التي لا تدخل في نطاق التحليل العقلي ، لأنّ التصوّرات البشرية لا تستطيع أن تصل إلى فهمه ، كما أنّ المقاييس التي تنبع من العالم المادي تمنع من إدراك حقيقة التثليث ، لأنّ حقيقته