إنَّ القرآن الكريم يذكر التثليث ويبطله بأوضح البراهين وأجلاها ، يقول : ( مَا المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ ) ( المائدة / ٧٥ ). وهذه الآية تبطل اُلوهيّة المسيح واُمّه ، التي كانت معرضاً لهذه الفكرة الباطلة ، بحجّة أنّ شأن المسيح شأنُ بقية الأنبياء وشأن الاُمّ شأن بقية الناس ، يأكلان الطعام ، فليس بين المسيح واُمّه وبين غيرهما من الأنبياء والرسل وسائر الناس أي فرق وتفاوت ، فالكل كانوا يأكلون عندما يجوعون ويتناولون الطعام كلّما أحسّوا بالحاجة إليه. وهذا العمل منضمّاً إلى الحاجة إلى الطعام آية المخلوقيّة.
ولا يقتصر القرآن على هذا البرهان ، بل يستدل على نفي اُلوهيّة المسيح بطريق آخر ، وهو قدرته سبحانه على إهلاك المسيح واُمّه ومن في الأرض جميعاً ، والقابل للهلاك لا يكون إلهاً واجب الوجود.
يقول سبحانه : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ) ( المائدة / ١٧ ). وهذه الآية ناقشت اُلوهيّة المسيح وأبطلتها عن طريق قدرته سبحانه على إهلاكه. ويظهر من سائر الآيات أنَّ اُلوهيّته كانت مطروحة بصورة التثليث ، قال سبحانه : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلاَّ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ) ( المائدة / ٧٣ ).
وعلى كل تقدير ، فقدرته سبحانه على إهلاك المسيح عليهالسلام أدل دليل على كونه بشراً ضعيفاً ، وعدم كونه إلهاً ، سواء طرح بصورة التثليث أو غيره.
ثم إنَّ القرآن الكريم كما يُفَنّد مزعمة كون عيسى بن مريم إلهاً ابناً لله في الآيات المتقدّمة ، يرد استحالة الابن عليه تعالى أيضاً على وجه الإطلاق سواء كان عيسى هو الابن أو غيره ، بالبيانات التالية :