قال صدر المتألهين : « واجب الوجود وإن وصف بالعلم والقدرة والإرادة لكن ليس وجود هذه الصفات فيه إلاّ وجود ذاته بذاته ، فهي وإن تغايرت مفهوماتها لكنّها في حقّه تعالى موجودة بوجود واحد » قال الشيخ في التعليقات : « الأوّل : إنّه تعالى لا يتكثر لأجل تكثّر صفاته لأنّ كلّ واحدة من صفاته إذا حقّقت تكون صفة اُخرىٰ بالقياس إليه ، فيكون قدرته حياته ، وحياته قدرته ، وتكونان واحدة ، فهو حيّ من حيث هو قادر ، وقادر من حيث هو حيّ ، وكذا في سائر صفاته » (١).
وإن شئت قلت : إنّ الوجود ربّما يبلغ في الكمال مرتبة كاملة لا يتصور فوقه فيكون بوحدته وبساطته نفس هذه الكمالات من العلم والقدرة والحياة من غير أن تتكثّر الذات وتتعدّد حقيقة أو اعتباراً وحيثيةً ، وذلك لأنّ حيثيّة الذات بعينها حيثية هذه الصفات.قال أبو نصر الفارابي :
« وجود كلّه ، وجوب كلّه ، علم كلّه ، قدرة كلّه ، حياة كلّه لا أنّ شيئاً منه علم وشيئاً آخر منه قدرة ليلزم التركيب في ذاته ، ولا أنّ شيئاً فيه علم وشيئاً آخر فيه قدرة ليلزم التكثّر في صفاته الحقيقية » (٢).
ثمّ إنّ الراسخين في الحكمة الإلهية أرجعو الصفات الثبوتية إلى وصف واحد والصفات السلبية إلى سلب واحد ، كما ارجعوا الصفات الاضافية إلى اضافة واحدة وليس هذا الارجاع أمراً اعتبارياً ذهنيّاً بل التعليل العقلي يشهد بذلك مثلاً إنّ سلب الامكان عنه تعالى مبدأ لسائر السلوب فأنّ الجوهرية والعرضية والحدوث والحلول كلّها من لوازم الامكان فسلبه يلازم سلب كلّ هذه الصفات السلبية ، كما أنّ جميع
__________________
(١) الأسفار : ج ٦ ص ١٢٠.
(٢) الأسفار : ج ٦ ص ١٢١ ، والفرق بين القسمين هو : إنّ العلم في الشقّ الأوّل موجود في مرتبة الذات بخلافه في الشقّ الثاني فهو فيه زائد عليها.