الثنوية بعد تسليمها بوجوده سبحانه تميّزت عن سائرالإلهيين بإنكار صفة من صفاته سبحانه أعني التوحيد فهم بين ثنوي في الذات وثنوي في الفعل ، فتارة يصور للعالم مبدأً غير واحد وهذا هو الثنوي في الذات ، واُخرى يوحّد المبدأ ويقول بإلٰه واحد ولكنه يفترض استقلالاً للمخلوقات فى البقاء دون الحدوث ، وثالثة تفترض الاستقلال في الفعل والايجاد كمن زعم أنّ وجود الممكنات قائم بالله لكنّها مستقلاّت في أفعالها ، غير محتاجات إلى الإلٰه في الإيجاد والإبداع ، وعلى كلّ تقدير فهم يمتازون عن سائر الفرق في وصفه سبحانه وهو كونه واحداً في الذات لا شريك له فيها كما هو واحد في الفعل لا موجد غيره ، ولو كان هناك إيجاد منسوب إلى غيره فإنّما هو بارادته ومشيئته وحوله وقوّته.
والثنوية بالمعنى الأوّل هي السائدة في الديار الهنديّة والصينيّة وشائعة بين البراهمة والبوذيين والهندوس ، كما أنّ الثنوية بالمعنى الثاني ذائعة بين القائلين بالتفويض ، وانّه سبحانه فوّض أمر الخليقة إلى جماعة مخصوصة أو فوّض أمر الإنسان إلى نفسه فهو يقوم بالفعل بلا استعانة ، فالإنسان محتاج في ذاته دون فعله ، ولو أنّ الطائفتين درسوا التوحيد على ما هو عليه وميّزوا بين الممكن والواجب لاتّحدت الصفوف وتراصّت.
والمسيحية وإن افترقت إلى يعقوبيّة وإلى نسطورية وإلى ملكانيّة لكن الكلّ متمسّكون بالتثليث أي تصوير اله العالم الواحد بصور ثلاث « الإله الأب » و « الإله الإبن » و « روح القدس » وبذلك نزّلوا الإله القدّوس إلى عالم المادة حتى جسّدوه في المسيح الذي صلب ليخلّص الناس من « عقدة الإثم » الذي ورثوه من أبيهم آدم ولو أنّ القوم فقهوا توحيده سبحانه ، لتقاربت الخطىٰ وقلّ التباعد ، يقول سبحانه ـ ويأمر نبيّه أن يتلو عليهم قوله ـ : ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ).