يقول العلاّمة الطباطبائي :
« إنّ مزاولة الإنسان للحسّ والمحسوس مدى حياته وانكبابه على المادة ، عوّده أن يمثّل كلّ ما يتعقّله ويتصوّره تمثيلاً حسّياً ، وإن كان المتصوّرةُ المعقول لا طريق للحسّ والخيال إليه البتة ، كالكلّيات والحقائق المنزّهة عن المادّة. على أنّ الإنسان إنّما ينتقل إلى المعقولات من طريق الإحساس والتخيل فهو أنيس الحسّ وأليف الخيال ، فقد قضت العادة اللازمة على الإنسان أن يصوّر لربه صوراً خياليّة على حسب ما يألفه من الأمور المادية الحسّية وقلَّ أن يتفق لإنسان أن يتوجه إلى ساحة العزة والكبرياء ونفسه خالية عن هذه المحاكاة (١).
هذا هو الأصل الذي توحي إليه ظروف الحياة وملابسات الإدراك والناس أمام هذا الأصل على طوائف نشير إلى الأركان منها :
إنّ البسطاء من المجتمع الإنساني الذين سادت عليهم ظروف الحياة وليست لهم قدرة عقليّة كافية للتخلّص عمّا تفرض عليهم تلك الملابسات ، بنوا عقائدهم الدينيّة على هذا الأساس فلاينفكّون عن وصفه سبحانه تشبيهاً وتجسيماً فيقولون إنّ له جسماً وإنّه على صورة إنسان ، وله لحم ودم وشعر وعظم ، وله جوارح وأعضاء من يد ورجل ورأس وعينين ، وانّ له وفرة سوداء وله شعر قطط ، غير أنّ بعضهم أراد التظاهر بالتنزيه بأقلّ ما يمكن فقال : « اعفوني عن الفرج واللحية ، واسئلوني عما وراء ذلك » (٢).
فهذه هي المجسّمة والمشبّهة لا يتورّعون عن وصفه بكلّ ما توحي إليهم القوّة الخيالية الأسيرة لعالم الحسّ والمادّة.
__________________
(١) الميزان ج ١٠ ص ٢٧٣.
(٢) الملل والنحل ج ١ ص ١٠٠ ـ ١٠٤.