وهذه الأحاديث تعرب من انّ جعل الإرادة صفة الفعل إنّما هو لأجل صيانة ذهن الراوي عن توهّم قدم العالم وانّه لم يزل كان مع الله سبحانه ، وإن شئت قلت : إنّ الإرادة التي سأل عنها الراوي كان يراد منها العزم على الفعل الذي لا ينفك عن المراد ، فاراد الإمام هدايته إلى أنّ الإرادة بهذا المعنى لا يوصف بها سبحانه لأنها تستلزم قدم المراد أو حدوث المريد ، ولأجل أن يتلقّى الراوي معنى صحيحاً للإرادة يناسب مستوى تفكيره ، فسّرها الامام بالمعنى الذي يجري عليه سبحانه في مقام الفعل ، وقال في جواب سؤال السائل :
« لم يزل الله مريداً ؟ : إنّ المريد لا يكون إلاّ المراد معه ، لم يزل الله عالماً قادراً ثمّ أراد » (١).
كان عصر الإمام الكاظم عليهالسلام ( ت ١٢٨ ـ م ١٨٣ ) عصر ازدهار المذاهب الكلامية وكانت الأمصار وحواضرها الكبرى ميداناً لمطارحات الفرق المختلفة.
فمن سلفيّ يقتصر في توصيفه سبحانه على الألفاظ الواردة في الكتاب والسنّة ويأخذ بمعانيها الحرفية من دون امعان وتدبّر ، ويرفع عقيرته بأنّ لله يداً ووجها وأنّه مستو ومستقرّ على عرشه وأنّ له رجلاً و ...
إلى معتزلي يجعل للعقل قسطاً أوفر في مجال العقائد والمعارف ويتجاوز حدّه فيؤوّل الكتاب والسنّة فيما لا يوافق معتقده وعقليّته.
إلى مرجئيّ يكتفي في الإيمان بالقول ويقدّمه ويؤخّر العمل ، ولا يحكم على
__________________
(١) الكافي ج ١ ص ١٠٩ ، باب الارادة.