وربما استعان بأهل المعرفة بالزراعة فشاركهم ، وصار يتقرب إلى حالاتهم ليكون كأحدهم. ولا شك أن الخطوة الأولى ترضى بالمراقبة ، واستخدام الآخرين ، وأن يتدرب حتى يزرع. ويعرف طريق تربية الحيوانات الأهلية مما لم يكن ألفه سابقا. يترك رويدا رويدا مقتنيات البادية ، وربما غرس الغرس أو سار في الزراعة مدة ثم انتقل إلى موطن ألصق به وهو الغرس. وفي هذا يكون كأهل المدن لا يتزحزح من مكانه ، ولا يبرح منزله.
والغرس والزرع من أوضح صفات الأرياف إلا أن الميل إلى الزرع أقرب للبدوي كما أن الريفي يتطلّع إلى الغرس وهو أقرب إليه. ولعله خطوة كبيرة نحو الحضارة. وأجل خطوة لاتخاذ القرية ، أو القرى. وحياة الزرع تتناول أنواع المزروعات من ذرة ودخن وشعير وحنطة ورز وقطن وسمسم وخضر عديدة.
وهذه المزروعات بعضها أوفر من غيرها في بعض المواطن ، فنرى الأهلين يتعاطون ما يوافق رغبتهم ، ويؤدي إلى منتوج زائد من تربتهم. فيحصل المطلوب. وبعض المواطن لا تعرف إلا بعض المزروعات دون الأخرى. فنرى (زراعة الشلب) أكثر في بعض المواطن. وفي البعض الآخر الحنطة. وفي بعضها الذرة أو الدخن ، أو الشعير ... وكلها تابعة لطبيعة الأرضين ...
وفي الزراعة تعاملات تتعلق بأصل الزرع ، وروابط تجارية لا تحصى من التعاملات أو العقود الزراعية والمعاملات التجارية. ولعل في هذه ما يبصر بحالة الزراع والمتعادين منهم فينجلي وجه ذلك بصورة صحيحة.
والتعاملات الزراعية كثيرة. فإن جماعات تقوم بالزرع. ولكل جماعة (جوق) أو سركال أو رئيس عرف معلوم. وهذا اتفاق زراعي لا علاقة له بالقرب والبعد بين أفراد العشيرة الواحدة. وإنما هو ائتلاف طبع بين المتزراعين وقد يكون أقرب لبعضهم. والمشهود في هذه الحالة الطاعة