وأفاض عليه الحياة ، ثمّ بدأ الإنسان بالانتقال من طور إلى طور ، ومن مرحلة إلى مرحلة ، ومن حالة إلى حالة ، وهو يتقلّب في نعم الله ، وفي كلّ ذلك تحيطه يد القدرة والرعاية والحفظ ، حتّى يخرج إلى عالمه الذي أُعدّ له لممارسة دور الخلافة الأرضيّة :
قال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّـهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (١).
الآيات الكريمة تفتح أعيننا على بعض الحقائق الكونيّة والقرآنيّة ، فتطلب منّا أن ننظر إلى أنفسنا أوّلاً ، وإلى ما حولنا من خلق ، لنفكّر ونعتبر ، ونشقّ غبار الجهل للانطلاق إلى عالم الانفتاح على رحاب ولاية الله جلّ وعلا.
قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٢).
لننظر إلى التراب ، هذه الذرّات التي هي أرخص وأدون ما في الوجود ، تنالها يد القدرة فتخلق منها هيئة إنسان ذي جوارح وأعضاء ، ثمّ ينفخ الباراي جلّت عظمته من روحه في ذلك الكيان ، فإذا هو إنسان يستحقّ التكريم ، حتى أنّ الله تعالى أمر الملائكة بالسجود له.
قال سبحانه : (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (٣).
إنّ الجسد كالآلة ، كما أنّ القلم آلة للكتابة ، فالعلم الروحيّ له صفاته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ المؤمنون : ١٢ ـ ١٤.
٢ ـ فُصّلت : ٥٣.
٣ ـ الحجر : ٢٩.