الحرام ، رافعاً يديه إلى السماء ، وبوجه تظهر عليه أمارات الخضوع ، ودموع منهمرة من عينين منكسرتين ، يبدأ أبو الشهداء ، بصوت يجلّله الحزن فيقول :
اللهمّ إنّي أرغبُ إليك ، وأشهَدُ بالربوبية لك مقرّاً بأنّك ربّي وأنّ إليك مَرَدّي ، إبتدأتَني بنعمتك قبل أن أكون شيئاً مذكوراً ، وخلقتَني من التراب ، ثمّ أسْكنتَني الأصلاب ، آمناً لِرَيب المنون ، واختلافِ الدهور والسنين ، فَلَم أزلْ ظاعناً من صُلبٍ إلى رَحِم ، في تقادمٍ الأيّام الماضية ، والقرون الخالية ... فابتَدَعتَ خَلْقي مِن مَنيٍّ يُمنى ، وأسكنتَني في ظلماتٍ ثلاثٍ بين لحم ودم وجلد ، لم تُشْهِدْني خَلقي ، ولم تَجعلْ إليَّ شيئاً من أمري ، ثمّ أخرجتَني لِلَّذي سَبقَ لي مِن الهدى إلى الدنيا تامّاً سَويّاً ، وحَفِظتَني في المهدِ طفلاً صبيّاً ، ورزقتَني مِن الغذاء لَبَناً مَريّاً ، وعطفتَ علَيَّ قلوب الحواضن ، وكفّلتَني الاُمّهاتِ الرواحم ، وكَلَأْتَني من طوارقِ الجانّ ، وسلّمتَني من الزيادة والنقصان ، فتعاليتَ يا رحيمُ يا رحمان (١).
وفي الروايات الصحيحة أنّ الحمل يكون أربعين يوماً نطفة ، ثمّ يصير علقة أربعين يوماً ، ثمّ يصير مضغة أربعين يوماً ، فإذا أكمل أربعة أشهر نُفخَت فيه الروح.
والأبوان هما السبب المباشر الذي أوجده الله لخروج الإنسان من العدم إلى عالم الوجود.
قال تعالى : (هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (٢).
ويأتي دور الاُمّ ليكون رحمها له حفظاً ووقاءً ، وصدرها له سقاءً ، وحِجْرها له
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ ينظر : إقبال الأعمال ٢ : ٧٥ ، أضواء على دعاء كميل للسيّد عزّ الدين بحر العلوم : ٢٦٨.
٢ ـ الإنسان : ١ ـ ٣.