المسألة الثالثة :
النظرة النصرانية للوحي :
إن نظرية الوحي عند النصرانية تتصل اتصالا وثيقا بنظرة المستشرقين إلى وحي القرآن وهي أساس الشبهات التي يثيرونها حول الوحي القرآني فالمراد بالوحي عند النصارى هو إظهار الحقائق الغير ممكن معرفتها بالقوى الطبيعية أما ما يمكن للعقل أن يصل إليه فيسمى إلهاما.
فقول النصارى هذه كلمة الله أو منزل من الله ، أو من عند الله أي أن الله سبحانه هو المؤلف السامي له باختيار مواضيعه ومعانيه ، وإلهام ناقليه وتحريكهم على كتابته بالنوع الذي أراده وعصمته إياهم عن الخطأ في غضون تسطيرها من أولها إلى ختامها. والمعنى أن الله سبحانه إذا أراد كتابة شيء من أسراره حرك كاتبا يختاره فيحثه على كتابة السفر المقصود ثم يمده بنفحته ويلهمه اختيار الحوادث والظروف والأعمال والأقوال التي شاء سبحانه بتبليغها لفائدة عباده (١) قال «جورج بوست» في كتابه (قاموس الكتاب المقدس) : [هو حلول روح الله في الكتاب الملهمين لاطلاعهم على الحقائق الروحية والأخبار الغيبية ، من غير أن يفقد هؤلاء الكتاب بالوحي شيئا من شخصياتهم فلكل منهم نمطه في التأليف وأسلوبه في التعبير](٢).
وقد عرف معجم لاروس الوحي قائلا : [حقيقة فعل يدخل به الهواء في الرئتين ومجازا نصيحة أو إيحاء أو حالة نفسية يوجد عليها الروح عند ما يكون تحت تأثير قوة فوق الطبيعة كوحي موسى والأنبياء](٣).
ومن هنا لا يفقد المتكلم أو الكاتب شيئا من شخصيته وإنما يؤثر فيه الروح
__________________
(١) انظر القرآن والمستشرقون ص ٣٥ ـ ٣٨.
(٢) مباحث في علوم القرآن ـ صبحي الصالح ص ٢٥.
(٣) انظر القرآن والمستشرقون ص ٣٨.