عند تقبل الوحي. وأنت إذا ما استثنيت المرض الذي استولى عليه في الستين من عمره ، رأيته لم يصب بغير وجع الرأس مرتين أو ثلاث بسبب أسفاره الطويلة تحت وهج الشمس ، ذلك الوجع الذي عولج بوضع المحاجم على رأسه .. وكان النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إذا نزل عليه الوحي يتحدر جبينه عرقا في البرد كأنه الجمان ، (١) وكان يحمر الوجه وهو يغط كما يغط البكر (٢) وكان إذا ما خرج من نوبة الوحي يتلو ما أوحي إليه والآيات ، فكان بعض المسلمين يحفظونه عن ظهر قلب أو يكتبونه كما يمليه عليهم ..](٣).
ومع تحفظنا على بعض ما ورد في كلامه فلا نحسبه كتبه من دافع الحب للإسلام وأهله. بل هو لا يقل عن غيره من المستشرقين تعصبا ضد الإسلام ونبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، فإن كتابه هذا مليء بالغمزات المسمومة والوخزات المخدرة ، ولكنه لم يستطع أن يخفي مثل هذه الحقيقة الواضحة.
كما أن التفرقة بين تخبطات المجانين والصرعى ، وبين هزات الانتشاء الروحي ، والإشراق النفسي ليس بالأمر العسير الذي يحتاج إلى علم غزير ، وإلى دراسات عميقة .. إذ أن شقة الخلاف بين الحالين بعيدة ومدى التفاوت بينهما طويل ممتد ، وبأدنى نظر يستطيع المرء أن يعرف الحق من الباطل ، والسليم من السقيم ، فهذا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لما نظر لابن صياد عرف أنه يهودي دعي كاذب ، قد ركبته جنة ، فجعل يخبط ويخرف فتند منه بعض كلمات تبرق فيها بوارق يحسبها كثير من الناس من متنزلات الغيب وما هي في حقيقتها إلا لمعات الخبل والجنون ، وكم للخبل والجنون من لمعات .. ولكنها أشبه بلمعان السراب ، يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا (٤).
__________________
(١) الجمان : اللؤلؤ.
(٢) البكر : الفتى من الإبل.
(٣) انظر حياة محمد ـ أميل درمنغم ص ٢٤٥ ـ ٢٤٧.
(٤) كتاب النبي محمد ـ عبد الكريم الخطيب ص ١٤٨ (بتصرف).