يكون قد عاشها المريض نفسه ثم احتفظ بها مخه في ثناياه ، استدعتها للخروج من مكانها الحالة الصرعية التي انتابته. وقد أمكن طبيا إجراء عملية التنبيه لها بواسطة تيار كهربائي صناعي سلط على جزء خاص في المخ فشعر المريض بنفس «الهلاوس» التي تنتابه في أثناء نوبة الصرع ، وبتطبيق ما قرره الطب الحديث في حقائق الصرع على ما كان يعتري النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ نجده يردد آيات لم يسمعها من قبل في حياته أخبره بها الله جل وعلا. ولما كانت هذه الأحاديث والآيات والأحوال لم تمر به ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من قبل فهي إذا لم تختزن بالتالي في مخه لتثيرها وتخرجها نوبات صرعية فيتذكرها وينطق بها.
فيظهر جليا أن ما كان يعتري رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ هي حالة نفسية وجسدية لتلقي وحي الله سبحانه فبالتالي فهناك فرق شاسع بين الحالتين : حالة الصرع التي تنتاب المصروعين ، وحالة الوحي التي تعتري أنبياء الله ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ ولا شك أن الطعن في الوحي الذي نزل على محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ طعن في كل ما نزل على أنبياء الله من قبل ، وهذا لا يكون من مؤمن بالله وأنبيائه ، ولا يكون إلا من ملحد لا ديني أحيل بين قلبه وبين الإيمان. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (١).
٤ ـ يرد فريتهم أن الوحي أثر لمرض الهستريا الذي هو كما بينه كل من الأساتذة «كريكيه» و «الأندوز» و «شاركو» أنه مرض عصبي عضال ، وهو وراثي أكثر أصابته في النساء ، ومن أعراضه شذوذ في الخلق ، وضيق في التنفس إلى حد الاختناق ، ويظهر عليه ضيق في الصدر ، واضطراب في الهضم ، وقد تصحب هذه الأعراض كذلك بحركة واضطراب في اليدين والرجلين إلى حد الشلل في بعض الأعضاء ، فإذا تابع المرض تقدمه جاء دور التشنج فيسبقه بكاء وعويل ، وكرب عظيم وهذيان ، ينتهي إلى حد الإغماء ، فإذا تجاوز هذه المرحلة فإن المريض يرى أشباحا تهدده وتسخر منه ، وأعداء تحاربه ويسمع أصواتا لا
__________________
(١) انظر المدخل لدراسة القرآن الكريم ، ص ١٠٣ ـ ١٠٨ ، نقلا عن مجلة منبر الإسلام عدد ٩ لسنة ١٩ رمضان ١٣٨١ ه فبراير ١٩٦٤ م (بتصرف).