إن هذه الطريقة التي وضعها عثمان ـ رضي الله عنه ـ تعتبر من أدق طرق البحث العلمي ، ومن مناهجه وهي قريبة من منهج التحقيق عند العلماء حيث اعتبروا العمل نسخة كأصل ، وقابلوا معها النسخ الأخرى ، وأرجعوا كل جزء من القرآن لصاحبه ، وأقر المتفق عليه وأبعد المختلف فيه ليبقى المتواتر من القرآن فقط ، ويحذف الآحاد من شروح وتفسير ، فأي دقة مثل هذه الدقة مع أنها قبل ألف وأربعمائة عام تدل على نضج العقل المسلم مبكرا قبل أن ترى الحضارة الغربية النور ، ليحقق الله الحق ويبطل باطل المستشرقين وترهاتهم ، وأكاذيب الشيعة الذين كانوا أصل هذه الأكاذيب والافتراءات جميعا.
الشبهة الخامسة :
كازانوفا وجمع القرآن :
زعم «كازانوفا» في كتابه (محمد ونهاية العالم) أن جمع عثمان للمصحف قصة وهمية أحكم نسجها في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان توطئة للمبالغة في شأن التحسينات التي أدخلت على رسم المصاحف في عهد الخليفة المذكور (١).
الجواب :
إن هذا الرأي الذي أقدم عليه «كازانوفا» من أغرب الآراء في علم الدراسات القرآنية حيث يتناقض مع بدهيات الروايات التاريخية والواقع ، وقد عرضت خلال ردي على الشبهات الماضية في الجمع القرآني بمراحله الثلاث من الأدلة الكافية على فساد هذا الرأي ، (٢) وتبدد هذا السراب الخادع.
وكما قيل : الحق ما شهدت به الأعداء. فقد نقض «بلاشير» هذا
__________________
(١) مقدمة على القرآن ـ بلاشير ص ٦٨ ، والقرآن والمستشرقون ص ١١٩ ـ ١٢٠ ، ومباحث في علوم القرآن ـ صبحي ص ٨٧.
(٢) انظر باب جمع القرآن ـ مراحل الجمع.