والذي ينشرح له الصدر ما انشرحت له صدور الجم الغفير من أن ما بين اللوحين الآن موافق لما في اللوح المحفوظ من القرآن الكريم ، وحاشا أن يهمل ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أمر القرآن وهو نور نبوته وبرهان شريعته ، فلا بد إما من التصريح بمواضع الآيات والسور ، وإما من الرمز إليهم بذلك ، وإجماع الصحابة في المآل على هذا الترتيب وعدولهم عما كان أولا من بعضهم على غيره من الأساليب ، وهم الذين لا تلين قناتهم لباطل ، ولا يصدهم عن اتباع الحق لوم لائم ، ولا قول قائل أقوى دليل على أنهم وجدوا ما أفادهم علما ولم يدع عندهم خيالا ولا وهما ، وخاصة إذا علمنا أن دليل القول الثالث أنه توقيفي سوى الأنفال والتوبة فيه «يزيد الفارسي» وهو مجهول الحال مما دعا الإمام الترمذي وهو أحد رواة الحديث أن يحكم عليه أنه «حسن غريب» لا نعرفه إلا من حديث «عوف عن يزيد الفارسي» مما يضعف هذا الدليل وأنه دليل القول الثاني (أنه باجتهاد الصحابة) مردود من ثلاثة أوجه :
١ ـ أن المصاحف المذكورة كانت مرتبة قبل العرضة الأخيرة للقرآن الكريم وبعد العرضة الأخيرة التي استقر بها القرآن رتبت المصاحف وفقا لمقتضاها بأمر النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقد عارض جبريل رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ القرآن بعد تمامه على ما هو عليه اليوم في عام وفاته مرتين. فدل أنه كان مرتبا من الفاتحة إلى الناس.
٢ ـ الأدلة التي ذكرتها عن أهل المعرفة بهذا الشأن والتي تؤيد القول بتوقيف ترتيب سور القرآن الكريم كاملة.
٣ ـ أن «زيد بن ثابت» الذي أسند إليه الخليفة «عثمان بن عفان» رئاسة اللجنة التي تولت كتابة المصاحف كان من كتاب الوحي ، وعلم ترتيب السور من رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ.
ومما يؤيد صحة ما ذهبت إليه إجماع الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ على