إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) [إبراهيم : ٢٢] صرّح بأنّه ما كان له على البشر سلطان ، إلّا من الوجه الواحد ، وهو : إلقاء الوسوسة ، والدعوة إلى الباطل.
وأيضا : فلا شكّ أنّ الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ والعلماء ، والمحققين ـ يدعون النّاس إلى لعن الشّياطين ، والبراءة منهم ، فوجب أن تكون العداوة بين الشّياطين وبينهم ، أعظم أنواع العداوة ، فلو كانوا قادرين على النفوذ في البواطن ، وعلى إيصال البلاء ، والشّرّ إليهم ، وجب أن يكون تضرّر (١) الأنبياء ، والعلماء ، منهم أشدّ من تضرّر كلّ واحد ، ولمّا لم يكن كذلك ، علمنا أنّه باطل.
فصل في تنزه الملائكة عن شهوتي البطن والفرج
اتفقوا على أنّ الملائكة ـ عليهمالسلام ـ لا يأكلون ، ولا يشربون ، ولا ينكحون ؛ (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء : ٢٠]
وأمّا الجنّ والشياطين ، فإنّهم يأكلون ويشربون ؛ قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ في الرّوث والعظم : إنّه زاد إخوانكم من الجنّ.
وأيضا : فإنّهم يتوالدون ؛ قال تعالى : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي) [الكهف : ٥٠].
فصل في اشتقاق البسملة
البسملة : مصدر «بسمل» ، أي : قال : «بسم الله» ، نحو : «حوقل ، وهيلل ، وحمدل ، وحيعل» ، أي قال : لا حول ولا قوّة إلّا بالله ، ولا إله إلّا الله ، والحمد لله ، وحيّ على الصّلاة ومثله «الحسبلة» وهي قوله : «حسبنا الله» ، و «السّبحلة» وهي قول : «سبحان الله» و «الجعفلة» (٢) : قول «جعلت فداك» ، و «الطّلبقة والدّمعزة» حكاية قولك : «أطال الله تعالى بقاءك ، وأدام عزّك».
وهذا شبيه بباب النّحت في النسب ، أي أنهم يأخذون اسمين ، فينحتون منهما لفظا واحدا ؛ فينسبون إليه ؛ كقولهم : «حضرميّ ، وعبقسيّ ، وعبشميّ» نسبة إلى «حضر موت ، وعبد قيس (٣) وعبد شمس» ؛ قال الشاعر (٤) : [الطويل]
٦ ـ وتضحك منّي شيخة عبشميّة |
|
كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا (٥) |
__________________
(١) في ب : ضرر.
(٢) في أ : الجعلفة وهي.
(٣) في ب : القيس.
(٤) في ب : القائل.
(٥) البيت لعبد يغوث بن وقاص الحارثي : ينظر خزانة الأدب : ٢ / ١٩٦ ، ٢٠٢ ، ولسان العرب : (هذذ) ، (قدر) ، (شمس) ، والأغاني : ١٦ / ٢٥٨ ، وسر صناعة الإعراب : ١ / ٧٦ ، وشرح اختيارات المفضل :