بعده ، فجاء على القاعدة المتقدّمة ، وفي هذا نظر ؛ لأن الظاهر هلى هذا القول أن يكون «اقرأ» الثاني توكيدا للأوّل ؛ فيكون قد فصل بمعمول المؤكّد بينه ، وبين ما أكّده مع الفصل بكلام طويل. واختلفوا ـ أيضا ـ هل ذلك الفعل أمر أو خبر؟
فذهب الفرّاء (١) : إلى أنّه أمر تقديره : «اقرأ أنت بسم الله».
وذهب الزّجّاج (٢) : إلى أنه خبر تقديره : «أقرأ أنا ، أو أبتدىء» ونحوه (٣).
قال ابن الخطيب (٤) ـ رحمهالله تعالى ـ : أجمعوا على أنّ الوقف على قوله تعالى : «بسم» ناقص قبيح ، وعلى قوله تعالى : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ) كاف صحيح ، وعلى قوله : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) تام.
واعلم أنّ الوقف لا بد وأن يقع على أحد هذه الأوجه الثّلاثة : وهو أن يكون ناقصا ، أو كافيا ، أو كاملا ، فالوقف على كلّ كلام لا يفهم بنفسه ناقص ، والوقف على كلّ كلام مفهوم المعاني ، إلّا أنّ ما بعده يكون متعلّقا بما قبله يكون كافيا ، والوقف على كل كلام تامّ ، ويكون ما بعده منقطعا عنه يكون تاما (٥).
__________________
(١) الحسين بن مسعود بن محمد ، الفراء ، أو ابن الفراء ، أبو محمد ، ويلقب ب «محيي السنة» ، البغوي ، فقيه ، محدث ، مفسر ، نسبته إلى «بغا» من قرى «خراسان» بين «هراة ومرو». له : «التهذيب» في فقه الشافعية ، و «شرح السنة» في الحديث ، و «لباب التأويل في معالم التنزيل» في التفسير ، و «مصابيح السنة و «الجمع بين الصحيحين» وغير ذلك. ولد سنة ٤٣٦ ه. توفي ب «مرو الروذ» سنة ٥١٠ ه ينظر الأعلام : ٢ / ٢٥٩ ، وفيات الأعيان : ١ / ١٤٥.
(٢) إبراهيم بن السريّ بن سهل ، أبو إسحاق الزجاج : عالم بالنحو واللغة. كان في فتوته يخرط الزجاج ، ومال إلى النحو فعلمه المبرّد ، كان مؤدبا لابن الوزير المعتضد العباسي ، كانت ل «الزجاج» مناقشات مع «ثعلب» وغيره ، من كتبه : «معاني القرآن» ، و «الاشتقاق» ، «وخلق الإنسان» ، وغيرها من الكتب. ولد في بغداد» سنة ٢٤١ ه وتوفي سنة ٣١١ ه. انظر : معجم الأدباء : ١ / ٤٧ ، وإنباه الرواة : ١ / ١٥٩ ، وآداب اللغة : ٢ / ١٨١ والأعلام : ١ / ٤٠.
(٣) ينظر معاني القرآن : ١ / ١.
(٤) ينظر تفسير الفخر الرازي : ١ / ٩١.
(٥) الوقف في الاصطلاح : هو قطع النطق عند آخر الكلمة وقطعها عما بعدها ، ولما لم يمكن القارىء أن يقرأ السورة أو القصة في نفس واحد ، لم يجز التنفس بين كلمتين حالة الوصل ، بل ذلك كالتنفس في أثناء الكلمة ، وجب حينئذ اختيار وقف للتنفس والاستراحة ، وتعين ارتضاء ابتداء بعد التنفس والاستراحة ، وتحتم ألّا يكون ذلك مما يخل بالمعنى ، ولا يخل بالفهم ، إذ بذلك يظهر الإعجاز ، ويحصل القصد ، ولذلك حض الأئمة على تعلمه ومعرفته ، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله : الترتيل معرفة الوقوف ـ وتجويد الحروف. والوقف ينقسم إلى : اختياري واضطراري ؛ لأن الكلام إما أن يتم أو لا ، فإن تم ، كان اختياريا. وكونه تاما لا يخلو إما أن لا يكون له تعلق بما بعده البتة ـ أي : لا من جهة اللفظ ، ولا من جهة المعنى ـ فهو الوقف الذي اصطلح عليه الأئمة (بالتام) ، لتمامه المطلق ، يوقف عليه ويبتدأ بما بعده ، وإن كان له تعلق ، فلا يخلو هذا التعلق ، إما أن يكون من جهة المعنى فقط ؛ وهو الوقف المصطلح عليه (بالكافي) ؛ للاكتفاء به عما بعده ، واستغناء ما بعده عنه ، وهو ـ