ثم لقائل أن يقول : قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الفاتحة : ٢] كلام تامّ ، إلّا أنّ قوله تعالى : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ) [الفاتحة : ٣] متعلّق بما قبله ؛ لأنها صفات ، والصّفات تابعة للموصوفات ، فإن جاز قطع الصفة عن الموصوف ، وجعلها وحدها آية ، فلم لم يقولوا : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ) آية؟ ثم يقولوا : «الرحيم» آية ثانية ، وإن لم يجز ذلك ، فكيف جعلوا (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) آية مستقلة؟ فهذا الإشكال لا بدّ من جوابه.
فصل الاسم هل هو نفس المسمى أم لا؟
قال ابن الخطيب (١) ـ رحمهالله تعالى ـ : قالت الحشوية ، والكرامية ، والأشعريّة : الاسم نفس المسمّى ، وغير التّسمية (٢).
__________________
ـ كالتام في جواز الوقف عليه دون الابتداء بما بعده ؛ وإن كان التعلق من جهة اللفظ ، فهو الوقف المصطلح عليه (بالحسن) ؛ لأنه في نفسه حسن مفيد يجوز الوقف عليه دون الابتداء بما بعده ، للتعلق اللفظي ، إلا أن يكون رأس آية فإنه يجوز في اختيار أكثر أهل الأداء ، لمجيئه عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في حديث أم سلمة ـ رضي الله تعالى عنها ـ أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية يقول (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ثم يقف ، ثم يقول (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ثم يقف ، ثم يقول (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) رواه أبو داود ساكتا عليه ، والترمذي وأحمد وأبو عبيدة وغيرهم ، وهو حديث حسن وسنده صحيح ، وكذلك عد بعضهم الوقف على رؤوس الآي في ذلك سنة ، (فالوقف التام) أكثر ما يكون في رؤوس الآي وانقضاء القصص ، (والوقف الكافي) يكثر في الفواصل وغيرها ، (والوقف الحسن) نحو الوقف على (بسم الله) وعلى (الحمد لله) وعلى (رب العالمين) الوقف على ذلك وما أشبهه حسن ؛ لأن المراد من ذلك يفهم ، (والوقف القبيح) نحو الوقف على : بسم ، وعلى : الحمد ، وعلى : رب ، ومالك يوم ، وإياك ، وصراط الذين ، وغير المغضوب ؛ فكل هذا لا يتم عليه كلام ولا يفهم منه معنى ، وقد يكون بعضه أقبح من بعض ؛ كالوقف على ما يحيل المعنى نحو : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ) فإن المعنى يفسد بهذا الوقف ؛ لأن المعنى أن البنت مشتركة من النصف مع أبويه. وإنما المعنى أن النصف للبنت دون الأبوين ، ثم استأنف الأبوين بما يجب لهما مع الولد. انظر : النشر : (١ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ـ ٢٢٨ ـ ٢٢٩).
(١) ينظر الرازي : ١ / ٩٥.
(٢) في حقيقة الاسم عند المتكلمين خلاف مشهور : فذهب الأشعرية إلى أنه عين المسمى ، وذهبت المعتزلة إلى أنه غير المسمى ، وقالت الأشعرية وطائفة من المتكلمين : إن الكلام في الاسم والمسمى يعرفك حقيقة صفات معبودك ، فتصل بذلك إلى تصحيح توحيدك فإذا لم ينظر الإنسان ويستدل ، فكيف يصل إلى المعرفة التي كلفها. لكن منع الشافعي ـ رضي الله عنه ـ وابن حنبل ، وأكثر الفقهاء ، والمحدثين رضي الله عنهم طريق الكلام في الاسم والمسمى ، حتى قال الشافعي : إذا سمعت الرجل يقول : الاسم هو المسمى أو غير المسمى ، فاشهد بأنه من أهل الكلام ولا دين له.
وعلى كل ؛ فطريق المتكلمين غير طريق الفقهاء والمحدثين ؛ فإن الفقهاء والمحدثين أخذوا الأمور بالتسليم والنقل ، والمتكلمون ركبوا إلى النقل طريق النظر بالعقل ، فأقاموا صناعة غير معهودة في السلف ، وقالوا : نفتح بها طريق النظر ؛ إذ السلف كانوا لقرب عهدهم بالنبوة ، ولاشتغال أفكارهم بالنظر في ملكوت السماء والأرض مستغنين عن هذه الصناعة ؛ إذ كانت الأدلة راسخة في قلوبهم وطرق ـ