وهذه الفرق الكثيرة لم تخل ساحتها من معارك مع المماليك كما أسلفنا ، إلا أن الغلبة في النهاية كانت لسلطان المماليك.
ثالثا : الحالة الاقتصادية في عصر السلاطين الجراكسة
إن مما لا شك فيه أن الحالة الاقتصادية لأي دولة إنما هي صورة وفرع عن الحالة السياسية لنفس الدولة ، ولما كانت سياسة الدولة المماليكية قائمة على كثرة الفتن والاضطرابات ، من عزل سلطان ونصب غيره ، وثورات داخلية ، وحروب خارجية. كل هذا أدى إلى سوء الأحوال الاقتصادية لذلك العصر.
ويزيد ما تقدم ما رؤي من احتكار السلع عند بعض السلاطين المماليك ، حتى قيل إن الأشرف برسباي احتكر تجارة السكر.
واشتملت الحالة الاقتصادية في هذا العصر على ثلاثة أقسام :
١ ـ الزراعة :
وكانت الدعامة الرئيسية للاقتصاد في عصر المماليك ، فهي الحرفة الأولى لغالبية الشعب ، والورد الذي عاش عليه أكثر الأهالي.
لذلك فقد اهتم المماليك بها ، فأنشأوا الجسور ، وشقّوا الترع ووفروا المياه لري الأراضي ، مما زاد المحاصيل الزراعية بمصر في تلك العصور (١).
وقد قسمت الأرض الزراعية إلى أقسام حسب جودتها ، وما يتبع ذلك من قيمة محاصيلها ، كما عني المماليك بمرافق الزراعة ، وأقاموا عدة قناطر ، إلا أنهم فرضوا الخراج كضريبة تؤدى للدولة على الأراضي الزراعية ، فخراج الوجه البحري كان نقدا ، وخراج الوجه القبلي كان عينا من المحاصيل المعروفة آنذاك.
وقد اعتنوا ـ بالإضافة إلى ما سبق ـ بالثروة الحيوانية ، فأكثروا من نتاج الأغنام ، وجلب الأنواع الممتازة منها لتربيتها ، مما أدى إلى ارتفاع مستوى الدخل لأهل الدولة ، وأما الفلاحون فكانوا يتساقطون بسبب ما يعانونه من فقر وذل (٢).
٢ ـ الصناعة :
وقد ازدهرت في عصر المماليك نظرا لكثرة الثروة ، وقد حرص المماليك على ازدهار بعض الصناعات كصناعة السفن والصناعات الحربية ، خاصة عندما هددهم أعداؤهم بغارات كثيرة على شاطىء البحر المتوسط.
وقد ارتقت كثير من الصناعات كصناعة المنسوجات ، والمعادن ، والبرونز والنحاس والذهب والفضة ، وكذلك صناعة الزجاج.
__________________
(١) د. سعيد عاشور : العصر المماليكي ص ٢٨٣.
(٢) السابق ص ٢٨٥.