وكذلك اشتهرت بعض الصناعات كصناعة السكر والخشب والمصنوعات الجلدية.
وأما الحرفيون «فقد خضعوا في عصر المماليك لنظام النقابات ، فكان أفراد كل حرفة يكونون نقابة خاصة بهم لها نظام ثابت يحدد عددهم ومعاملاتهم فيما بينهم وبين بعض من ناحية ، وفيما بينهم وبين الجمهور من ناحية ثانية ، وفيما بينهم وبين الحكومة من ناحية ثالثة ، ولكل نقابة من هذه النقابات رئيس أو شيخ يرأسهم ، يفض مشاكل أفراد النقابة ، ويرجعون إليه في كل ما يهمهم ...» (١).
٣ ـ التجارة :
وقد ازدهرت هي الأخرى ازدهارا واسعا في عصر المماليك ، وذلك على الصعيدين الداخلي والخارجي :
أما الداخلي فقد كانت التجارة الداخلية على درجة عالية من النشاط فاشتهرت القاهرة ـ مثلا ـ بأسواقها العامرة ، والتي اختلفت فيما بينها حسب السلعة المباعة ، فهذا سوق الشماعين ، والآخر سوق النحاسين ، والثالث : الفرائين لبيع الفراء ، وهكذا.
وقد انتشر نظام الحسبة في تلك الأسواق ، وذلك لمراقبة عملية البيع والشراء وجودة السلع من رداءتها ، أو التلاعب في الأسعار وغير ذلك.
وأما الخارجي : فقد كانت التجارة الخارجية على حظ عظيم من الازدهار ، وسبب ذلك وجود طريق التجارة الدولي وهو البحر الأحمر ـ عبر دولة المماليك ، مما جعل مصر تقوم بدور الوسيط التجاري بين دول الشرق والغرب.
وهذا أدى بدوره إلى اهتمام سلاطين المماليك بدروب التجارة ، وتأمينها ، وإنشاء المؤسسات اللازمة للتجار الأجانب كالفنادق والخانات والوكالات ... الخ.
ولكن جشع سلاطين المماليك الجراكسة دفعهم إلى احتكارهم بعض السلع والغلات الهامة مما أحنق عليهم تجار دول الغرب ، ودفعهم إلى اكتشاف طريق آخر للتجارة ، هو طريق رأس الرجاء الصالح ، مما أدى إلى بداية تدهور النشاط التجاري لدولة المماليك (٢).
وبعد فقد اضطربت الحالة الاقتصادية ، وتدهورت مظاهرها في أواخر عصر المماليك حتى أدى ذلك إلى انتشار المجاعات والأوبئة وكثرة حالات النهب والسلب.
يقول المقريزي (٣) : «وأدركت أنا والناس من أهل ثغر الإسكندرية وهم يجعلون في
__________________
(١) د. سعيد عاشور : العصر المماليكي في مصر والشام ص ٢٩٦.
(٢) ينظر : العصر المماليكي ص ٣٠٨.
(٣) هو مؤرخ الديار المصرية أحمد بن علي بن عبد القادر ، أبو العباس الحسيني العبيدي ، تقي الدين المقريزي أصله من بعلبك ، ونسبته إلى حارة المقارزة (من حارات بعلبك في أيامه) ولد بالقاهرة سنة ٧٦٦ ه ودخل دمشق مع ولده ، وعرض عليه قضاؤها سنة ٨١٠ ه ، فأبى ، وعاد إلى مصر ، من تآليفه كتاب «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» ، وهو «خطط المقريزي» وله كتب أخرى. توفي سنة ٨٤٥ ه.