وسيأتي بقية الكلام على البسملة في آخر الكلام على الفاتحة إن شاء الله تعالى.
فصل في بيان أن أسماء الله توقيفية أم اصطلاحية
اختلف العلماء ـ رحمهمالله تعالى ـ في أن أسماء الله ـ تعالى ـ : توقيفية أم اصطلاحيّة؟
قال بعضهم : لا يجوز إطلاق شيء من الأسماء والصفات على الله ـ تعالى ـ إلّا إذا كان واردا في القرآن والأحاديث الصّحيحة.
وقال آخرون : كلّ لفظ على معنى يليق بجلال الله وصفاته ، فهو جائز ؛ إلّا فلا.
وقال الغزاليّ رحمهالله تعالى : «الاسم غير ، والصفة غير ، فاسمي محمّد ، واسمك أبو بكر ، فهذا من باب الأسماء ، وأما الصفات ، فمثل وصف هذا الإنسان بكونه طويلا فقيها ، وكذا ، وكذا ، إذا عرفت هذا الفرق فيقال : أما إطلاق الاسم على الله ، فلا يجوز إلّا عند وروده في القرآن والخبر ، أما الصفات فإنه لا تتوقّف على التوقيف».
واحتج الأوّلون بأن قالوا : إن العالم له أسماء كثيرة ، ثم إنا نصف الله بكونه عالما ، ولا نصفه بكونه طبيبا ولا فقيها ، ولا نصفه بكونه متيقنا ، ولا بكونه متبينا ، وذلك يدلّ على أنه لا بدّ من التوقيف.
وأجيب عنه فقيل : أما الطّبيب فقد ورد ؛ نقل أنّ أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ لمّا مرض قيل له : نحضر الطّبيب؟ فقال : الطّبيب أمرضني.
وأما الفقيه فهو أنّ الفقه : عبارة عن فهم غرض المتكلّم من كلامه بعد دخول الشّبهة فيه. وهذا ممتنع الثبوت في حقّ الله تعالى.
وأما المتيقّن : هو العليم الذي حصل بسب تعاقب الأمارات الكثيرة ، وترادفها ، حتّى بلغ المجموع إلى إفادة الجزم ، وذلك في حق الله ـ تعالى ـ محال.
[وأمّا التّبيين : فهو عبارة عن الظّهور بعد الخفاء](١).
وإنّما قلنا : إنّ التبيين عبارة عن الظهور بعد الخفاء ، وذلك لأنّ التبيين مشتقّ من البينونة وهي : عبارة عن التفريق بين أمرين متّصلين ، فإذا حصل في القلب اشتباه صورة بصورة ، ثم انفصلت إحداهما عن الأخرى ، فقد حصلت البينونة ، فلهذا السبب سمّي ذلك بيانا وتبيينا ، ومعلوم أن ذلك في حقّ الله ـ تعالى ـ محال.
واحتجّ القائلون بأنه : لا حاجة إلى التّوقيف بوجوه :
__________________
ـ سورة سوى براءة (١٤) حديث رقم (٥٣ / ٤٠٠) ـ وأبو داود في السنن حديث رقم (٧٨٤) وذكره ابن كثير في التفسير ٨ / ٥١٩ ـ والهندي في كنز العمال حديث رقم ٣٩١٢٧.
(١) سقط في أ.