الثاني : لعلّ سليمان كتب على عنوان الكتاب : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) ، وفي داخل الكتاب ابتدأ بقوله : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) كما هو العادة في جميع الكتب ، فلما أخدت بلقيس ذلك الكتاب ، وقرأت ما في عنوانه ، قالت : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) [فلما](١) فتحت الكتاب ، قرأت : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فقالت : (وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).
الثالث : أن بلقيس كانت كافرة ، فخاف سليمان ـ عليهالسلام ـ أنّ «بسم الله» إذا نظرته في الكتاب شتمته ، فقدّم اسم نفسه على اسم الله تعالى ؛ ليكون الشّتم له ، لا لله تعالى.
فصل
الباء من «بسم الله» مشتقّ من البرّ ، فهو البارّ على المؤمنين بأنواع الكرامات في الدنيا والآخرة ، وأجلّ بره وكرامته أن يكرمهم يوم القيامة برؤيته.
مرض لبعضهم جار يهوديّ قال : فدخلت [عليه](١) للعيادة وقلت [له](١) أسلم ، فقال : على ماذا؟ قلت : من خوف النّار ، قال : لا أبالي بها ، فقلت : للفوز بالجنة ، فقال : لا أريدها ، قلت : فماذا تريد؟ قال : على أن يريني وجهه الكريم ، فقلت : أسلم على أن تجد هذا المطلوب ، فقال لي : اكتب بهذا خطّا ، فكتبت له بذلك خطّا ، فأسلم ومات من ساعته فصلينا عليه ودفنّاه ، فرأيته في النوم فقلت له : يا شمعون ، [ما فعل بك ربّك](٢) قال : غفر لي ، وقال لي : أسلمت شوقا إليّ.
وأما السّين فهو مشتقّ من اسمه السّميع ، يسمع دعاء الخلق من العرش إلى ما تحت الثّرى.
روي أنّ زيد بن حارثة (٣) ـ رضي الله تعالى عنه ـ خرج مع منافق من «مكة» (٤) إلى «الطّائف» (٥) ، فبلغا خربة ، فقال المنافق : ندخل ها هنا ونستريح ، فدخلا ونام زيد ، فأوثق
__________________
(١) سقط في ط.
(١) سقط في ط.
(١) سقط في ط.
(٢) في أ : ما فعل الله بك.
(٣) زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي اليماني ، حبّ رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ومولاه ، كان ممن بادر فأسلم من أول يوم وشهد بدرا ، وقتل بمؤتة أميرا سنة ثمان. قالت عائشة : لو كان حيّا لاستخلفه رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
ينظر خلاصة تهذيب الكمال : ١ / ٣٥٠.
(٤) علم على جميع البلدة ، وهي البلدة المعروفة المعظمة المحجوجة ، غير مصروفة ، للعلمية والتأنيث ، وقد سمّاها الله ـ تعالى ـ في القرآن أربعة أسماء : مكة ، والبلدة ، والقرية وأمّ القرى. قال ابن سيده : سميت مكة ؛ لقلة مائها ، وذلك أنهم كانوا يمتكون الماء فيها ، أي : يستخرجونه ، وقيل : لأنها كانت تمكّ من ظلم فيها ، أي : تهلكه.
وأما بكّة ، بالباء ، ففيها أربعة أقوال : أحدها : أنها اسم لبقعة البيت. والثاني : أنها ما حول البيت ، ومكّة ما وراء ذلك. والثالث : أنها اسم للمسجد والبيت ، ومكّة للحرم كله. والرابع : أن مكة هي بكّة ؛ قاله الضحّاك. واحتج بأن الباء والميم يتعاقبان ؛ يقال : سمد رأسه ، وسبده ، وضربة لازم ولازب. ينظر المطلع : ص ١٨٦ ، ١٨٧.
(٥) بعد الألف همزة مكسورة ، ثم فاء : كانت تسمى قديما «وجّ» ، وسمّيت الطائف ؛ لما أطيف عليها ـ