العلماء ـ رحمهمالله تعالى ـ وروى أيضا بإسناده عن عمرو بن شرحبيل (١) ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : أوّل ما نزل من القرآن : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الفاتحة : ٢] ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشرف وكرم وبجل ومجد وعظم وفخم أسرّ إلى خديجة ـ رضي الله عنها ـ فقال : «لقد خشيت أن يكون خالطني شيء» فقالت : وما ذاك؟ قال : إنّني إذا خلوت سمعت النّداء (اقْرَأْ) [العلق : ١] ، ثمّ ذهب إلى ورقة بن نوفل (٢) ، وسأله عن تلك الواقعة ، فقال له ورقة : إذا أتاك النّداء ، فاثبت له ، فأتاه جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقال له : قل : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الفاتحة : ١ ـ ٢].
وبإسناده عن أبي صالح (٣) ، عن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ قال : قام النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشرف وكرم وبجل ومجد وعظم وفخم ب «مكة» فقال : «بسم الله الرّحمن الرّحيم» ، فقالت قريش : رضّ الله فاك (٤).
القول الثّاني : أنّها نزلت ب «المدينة» ، روى الثّعلبيّ بإسناده ، عن مجاهد أنّه قال : «فاتحة الكتاب أنزلت بالمدينة» (٥).
قال الحسين بن الفضل : لكلّ عالم هفوة ، وهذه هفوة مجاهد ؛ لأنّ العلماء ـ رحمهمالله تعالى ـ على خلافه.
ويدلّ عليه وجوه :
الأول : أن سورة الحجر مكّية بالاتّفاق ، ومنها قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) [الحجر : ٨٧] ، وهي فاتحة الكتاب ، وهذا يدلّ على أنه ـ تعالى ـ آتاه هذه السورة فيما تقدم.
__________________
(١) عمرو بن شرحبيل الهمداني أبو ميسرة الكوفي أحد الفضلاء. عن عمر وعلي. وعنه أبو وائل والقاسم بن مخيمرة مات قديما. ينظر : الخلاصة ٢ / ٢٨٧.
(٢) ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ، من قريش : حكيم جاهلي ، اعتزل الأوثان قبل الإسلام ، وامتنع من أكل ذبائحها ، وتنصر ، وقرأ كتب الأديان. وكان يكتب اللغة العربية بالحرف العبراني أدرك أوائل عصر النبوة ولم يدرك الدعوة. وهو ابن عم خديجة أم المؤمنين. ينظر الأعلام : ٨ / ١١٥ ، الروض الأنف : ١ / ١٢٤ ـ ١٢٧ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، والإصابة : ت ٩١٣٣ ، وتاريخ الإسلام : ١ / ٦٨.
(٣) ذكوان المدني أبو صالح السّمّان عن سعد وأبي الدرداء وعائشة وأبي هريرة وخلق. وعنه بنوه سهيل وعبد الله وصالح وعطاء بن أبي رباح. وسمع منه الأعمش ألف حديث. قال أحمد : ثقة ثقة شهد الدار. قال محمد بن عمر الواقدي : توفي سنة إحدى ومائة.
ينظر ترجمته في : تهذيب التهذيب : ٣ / ٢١٩ ، تقريب التهذيب : ١ / ٢٣٨ ، تاريخ البخاري الكبير : ٣ / ٢٦٠ ، الجرح والتعديل : ٣ / ٤٥ ، طبقات ابن سعد : ٥ / ٢٢٢ ، معجم طبقات الحفاظ : ٨٨.
(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ١٩) وعزاه لابن أبي شيبة وأبي نعيم والبيهقي كلاهما في «دلائل النبوة» والواحدي والثعلبي في تفسيرهما.
(٥) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٢٠) وعزاه للثعلبي ووكيع في تفسيرهما.