وهذا ليس فيه دليل ، لأنّ النبيّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال : «أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد ...» (١) الحديث ، فيكون هذا الإتيان بالنسبة إلى اللّوح المحفوظ ، فإن منع في البعض فلا يمنع (٢) في الشّفاعة.
الثاني : أنه يبعد أن يقال : إنه أقام ب «مكة» بضع سنين بلا فاتحة الكتاب.
الثالث : قال بعض العلماء : هذه السورة نزلت ب «مكة» مرة ، وب «المدينة» مرة أخرى ، فهي مكية مدنية ، ولهذا السبب سمّاها الله ـ تعالى ـ بالسبع المثاني ؛ لأنه ثنّى إنزالها ، وإنما كان كذلك ؛ مبالغة في تشريفها. وأجمعت الأمّة على أن الفاتحة سبع آيات.
وروي شاذّا عن الحسين الجعفيّ (٣) : أنها ست آيات ، وأجمعت الأمة ـ أيضا ـ على أنّها من القرآن.
ونقل القرطبيّ (٤) : أن الفاتحة مثبتة في مصحف ابن مسعود (٥) ـ رضي الله تعالى عنه ـ
__________________
(١) متفق عليه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
أخرجه البخاري في الصحيح (١ / ٤٣٥ ـ ٤٣٦) كتاب التيمم (٧) باب (١) حديث رقم (٣٣٥) واللفظ له ، ومسلم في الصحيح ١ / ٣٧٠ كتاب المساجد (٥) حديث رقم (٣ / ٥٢١) والنسائي في السنن (١ / ٢٠ ، ٢١١) كتاب الغسل والتيمم ـ والدارمي في السنن (٢ / ٢٢٤) كتاب السير باب الغنيمة لا تحل لأحد قبلنا.
(٢) في ب : مانع.
(٣) الحسين بن علي بن فتح الإمام الحبر أبو عبد الله ويقال : أبو علي الجعفي ، مولاهم الكوفي الزاهد أحد الأعلام. قال أحمد بن حنبل : ما رأيت أفضل من حسين الجعفي. وقال قتيبة بن سعيد : قالوا لسفيان بن عيينة : قدم حسين الجعفي فوثب قائما وقال : قدم أفضل رجل يكون قط ، وقال موسى بن داود : كنت عند ابن عيينة فأتاه حسين الجعفي ، فقام سفيان فقبل يده ، وكان يقول : الحسين الجعفي هذا أفضل رجل في الأرض ، وروى أبو هشام الرفاعي عن الكسائي قال : قال لي الرشيد : من أقرأ الناس اليوم؟ قلت : حسين الجعفي ، مات في ذي القعدة سنة ثلاث ومائتين عن أربع وثمانين سنة. ينظر الغاية : ١ / ٢٤٧.
(٤) أحمد بن عمر بن إبراهيم ، أبو العباس الأنصاري القرطبي ، ولد سنة ٥٧٨ ه بقرطبة فقيه مالكي ، من رجال الحديث ، يعرف ب «ابن المزين». كان مدرسا بالاسكندرية. من كتبه : «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» و «اختصار صحيح البخاري» و «مختصر الصحيحين». وتوفي ب «الاسكندرية» سنة ٦٥٦ ه.
ينظر : البداية والنهاية ١٣ / ٢١٣ ، نفح الطيب ٢ / ٦٤٣ ، الأعلام : ١ / ١٨٦.
(٥) عبد الله بن مسعود بن غافل بمعجمة ثم فاء مكسورة بعد الألف ابن حبيب بن شمخ بفتح المعجمة الأولى وسكون الميم ابن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل الهذلي أبو عبد الرحمن الكوفي : أحد السابقين الأولين وصاحب النعلين شهد بدرا والمشاهد وروى ثمانمائة حديث وثمانية وأربعين حديثا. اتفقا على أربعة وستين وانفرد البخاري بأحد وعشرين ومسلم بخمسة وثلاثين. وعنه خلق من الصحابة. ومن التابعين علقمة ومسروق والأسود وقيس بن أبي حازم والكبار تلقى من النبي صلىاللهعليهوسلم سبعين سورة. قال علقمة : كان يشبه النبي صلىاللهعليهوسلم في هديه ودله وسمته. قال أبو نعيم : مات بالمدينة ستة اثنتين وثلاثين عن بضع وستين سنة. ـ