١ ـ تقريبهم لأهل العلم ، وإجلالهم لهم ، ثم إغداق العلماء بالهبات والعطايا ، وإرضاء بعض طالبي السلطة منهم بالوظائف العالية ، وقد بلغ من إجلال السلاطين للعلماء أن بعضهم كان يخاف من شيوخ بعينهم.
ويقرر المقريزي في خططه : «أن السلطان المؤيد شيخ المحمودي : لما أنشأ جامعه ، وقرر فيه عددا من المدرسين ، كان من بينهم شهاب الدين بن حجر العسقلاني مدرس الشافعية ، فجاء إليه السلطان ليستمع درسه ، فلما أقبل ، همّ ابن حجر بالقيام للسلطان فمنعه المؤيد من القيام فلم يقم» (١).
وقد وجدنا من سلاطين المماليك ـ كالسلطان الغوري ـ حرصا على عقد مجالس علمية ودينية بالقلعة مرة أو مرتين أو أكثر كل أسبوع (٢) ، وكذلك رأينا بعضهم يخصص حلقة سنوية لقراءة صحيح الإمام البخاري ، وكانت العادة أن تعقد هذه الحلقة سنويا في شهر رمضان ، ويحضرها السلطان وأمراؤه ، والقضاة ووجهاء الدولة (٣) بل نسمع عن بعض أمراء المماليك وأبنائهم في مصر أنهم اشتغلوا بالتاريخ والفقه والحديث واللغة العربية ، بل تصدى بعضهم لإقراء الطلبة والتدريس لهم.
٢ ـ المدارس والمكاتب :
لقد اهتم المماليك بإنشاء دور العلم متمثلة في المدارس والمكاتب ، فأما المدارس ، فيذكر المقريزي وحده في الخطط سبعين مدرسة قد أنشئت في مصر في القرن التاسع وما قبله.
وقد ذكر ابن إياس والجبرتي مدارس لم يذكرها المقريزي في خططه (٤) ونذكر هنا بعض المدارس التي أقيمت في عصر الجراكسة :
١ ـ المدرسة الظاهرية :
وقد أنشئت في عصر الملك الظاهر برقوق (٧٨٥ ـ ٨٠١ ه) ، وتعرف أيضا بالمدرسة البرقوقية ، وقد أسسها في ذي القعدة سنة ٧٨٦ ه ، وتم بناؤها في ربيع الأول سنة ٧٨٨ ه ، وقد أشار إليها ابن حجر بقوله : «.. ومن آثاره المدرسة الفائقة بين القصرين ، لم يتقدم بناء مثلها في القاهرة ، وسلك في ترتيب من قرره بها مسلك شيخون في مدرسته».
وقال عنها المقريزي : «.. وجعل بها سبعة دروس لأهل العلم ، أربعة يلقى بها الفقه
__________________
(١) الخطط : ٣ / ١٣٩.
(٢) د. سعيد عاشور : العصر المماليكي ص ٣٤٢.
(٣) التبر المسبوك للسخاوي ص ٢٢١ ، ٤١٥.
(٤) الخطط للمقريزي ٢ / ٢٦٢ ، وابن إياس : بدائع الزهور ٤ / ٥٢ ، ٦٨ ، وتاريخ الجبرتي : ١ / ١٦٢ ، ٢٢٠.