قال ابن الخطيب ـ رحمهالله تعالى ـ : وهذا عندي ضعيف ؛ لأن الإضمار إنما يصار إليه ليصحّ الكلام ، وهذا الإضمار يوجب فساد الكلام ، والدليل عليه : أن قوله ـ تعالى ـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) إخبار عن كون الحمد حقّا [لله تعالى] وملكا له ، وهذا كلام تام في نفسه ، فلا حاجة إلى الإضمار.
وأيضا فإن قوله : «الحمد لله» يدلّ على كونه مستحقا للحمد بحسب ذاته ، وبحسب أفعاله ، سواء حمدوه أو لم يحمدوه.
قال ابن الخطيب (١) ـ رحمهالله تعالى ـ : «الحمد لله ثمانية أحرف ، وأبواب الجنّة ثمانية [أبواب](٢) ، فمن قال : «الحمد لله» بصفاء قلبه استحقّ أبواب الجنّة الثمانية» والله أعلم.
فصل
تمسّك الجبريّة والقدريّة بقوله تعالى : «الْحَمْدُ لِلَّهِ» أما الجبرية فقد تمسّكوا به من وجوه : الأول : أنّ كلّ من كان فعله أشرف وأكمل ، وكانت النعمة الصادرة عنه أعلى وأفضل ، كان استحقاقه للحمد أكثر ، ولا شك أنّ أشرف (٣) المخلوقات هو الإيمان ، فلو كان الإيمان فعلا للعبد ، لكان استحقاق العبد للحمد أولى وأجلّ من استحقاق الله له ، ولما لم يكن كذلك ، علمنا أنّ الإيمان حصل بخلق الله ـ تعالى ـ لا بخلق العبد.
الثاني : أجمعت الأمّة على قولهم : «الحمد لله على نعمة الإيمان» ، فلو كان العبد فاعلا للإيمان لكان قولهم : «الحمد لله على نعمة الإيمان» ؛ باطلا ، فإنّ حمد الفاعل على ما لا يكون فعلا له باطل قبيح ؛ لقوله تعالى (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) [آل عمران : ١٨٨].
الثالث : أن قوله تعالى : «الحمد لله» يدلّ ظاهره على أنّ كلّ الحمد لله ، وأنه ليس لغير الله ـ تعالى ـ حمد أصلا ، وإنما يكون كلّ الحمد لله تعالى إذا كان كلّ النّعم من الله تعالى ، والإيمان أفضل النعم ، فوجب أن يكون الإيمان من الله تعالى.
الرابع : أن قوله (٤) : «الحمد لله» مدح منه لنفسه ، ومدح النّفس (٥) قبيح فيما بين الخلق ، فلما بدأ كتابه بمدح النفس ، دلّ ذلك على أنّ حاله بخلاف حال الخلق ، وأنّه يحسن منه ما يقبح من الخلق ، وذلك يدلّ على أنه ـ تبارك وتعالى ـ مقدّس عن أن تقاس أفعاله على أفعال العباد.
__________________
(١) ينظر الرازي : ١ / ١٨٠.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : أكبر.
(٤) في أ : يكون.
(٥) في ب : الناس.