العبد ، أو على نفسه ، فإن كان الأول وجب كون العبد قادرا على الفعل ؛ وذلك يبطل القول بالجبر.
وإن كان الثاني كان معناه أن الله تعالى يجب عليه أن يحمد نفسه ؛ وذلك باطل ، قالوا : فثبت أنّ القول بالحمد لا يصحّ إلا على قولنا.
فصل هل وجوب الشكر يثبت بالعقل أو الشرع؟
اختلفوا في أنّ وجوب الشّكر ثابت بالعقل أو بالسّمع.
من الناس من قال : إنه ثابت بالسّمع ؛ لقوله تبارك وتعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء : ١٥] ، ولقوله تبارك وتعالى : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء : ١٦٥].
ومنهم من قال : إنه ثابت (١) قبل مجيء الشرع ، وبعد مجيئه على الإطلاق ؛ والدليل عليه قوله تبارك وتعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) وبيانه من وجوه :
الأول : أن قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) يدلّ على أن هذا الحمد حقّه ، وملكه على الإطلاق ، وذلك يدل على أنّ ثبوت هذا الاستحقاق كان قبل مجيء الشرع.
الثاني : أنه تعالى قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الفاتحة : ٢] ؛ وقد ثبت في [أصول](٢) الفقه أنّ ترتيب الحكم على الوصف المناسب ، يدلّ على كون الحكم معلّلا بذلك الوصف ، فها هنا أثبت الحمد لنفسه ، ووصف نفسه بكونه ربّ العالمين رحمانا رحيما بهم ، مالكا لعاقبة أمرهم في القيامة ، فهذا يدلّ على أن استحقاق الحمد ثابت ـ لله تعالى ـ في كل الأوقات ، سواء كان قبل مجيء النّبي ، أو بعده.
فصل
قال ابن الخطيب ـ رحمهالله تعالى ـ : تحميد الله ـ تعالى ـ ليس عبارة عن قولنا : الحمد لله ؛ لأن قولنا : «الحمد لله» إخبار عن حصول الحمد ، والإخبار عن الشيء مغاير للخبر عنه ، فنقول : حمد المنعم عبارة عن كلّ فعل يشعر بتعظيم المنعم بسبب كونه منعما ، وذلك الفعل : إما أن يكون فعل القلب ، أو فعل اللّسان ، أو فعل الجوارح.
أمّا فعل القلب : فهو أن يعتقد فيه كونه موصوفا بصفات الكمال والإجلال.
وأما فعل اللّسان فهو أن يذكر ألفاظا دالّة على كونه موصوفا بصفات الكمال [والإجلال](٣).
__________________
(١) في أ : ثبت.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في ب.