وهذه المكتبات وما ألحق بها من مدارس ومكاتب وخانقاوات وغيرها ـ قد اهتم بها سلاطين المماليك ، فوقفوا لها أوقافا واسعة : «لينفق من ريعها على مرافق المدرسة أو على المكتب ، وعلى موظفيها من المدرسين والشيوخ فضلا عن طلبة المدرسة ذوي المذاهب أو تلاميذ المكتب من الأيتام ، حتى ينصرف الجميع إلى رسالتهم في جو من الاطمئنان وراحة الفكر ..»(١).
هذا الجو العلمي الذي وجد في عصر المماليك قد هيأ المناخ ليوجد عندنا عدد ضخم من المحدثين والمجتهدين والحفاظ والفقهاء ، والقضاة والشعراء والأدباء ، الذين أثروا مكتبة الإسلام بمصنفات تكاد تزيد على الآلاف المؤلفة ، ومن يستقرىء الكتب المصنفة المطبوع منها والمخطوط يرى ذلك النتاج الضخم.
وقد حفظت لنا كتب التراجم أسماء كثيرة جدا لعلماء لمعت نجومهم في ذلك العصر ، ونذكر هنا بعض من وجد منهم في القرن التاسع الهجري ، الذي هو القرن الذي عاش فيه إمامنا ابن عادل الحنبلي :
كابن الملقن المتوفى سنة ٨٠٤ ه ، وسراج الدين البلقيني المتوفى سنة ٨٠٥ ه ، وتاج الدين الدميري المتوفى سنة ٨٠٥ ه ، وابن حبيب الحلبي ت ٨٠٨ ه ، وابن جماعة ت ٨١٩ ه ، وابن الهمام ت ٨٦١ ه ، وابن أمير الحاج ت ٨٧٩ ه. ومن المؤرخين المقريزي ت ٨٤٥ ه ، وابن تغري بردي ت ٨٧٤ ه. ومن المحدثين ابن العراقي ت ٨٢٦ ه ، والحافظ ابن حجر ت ٨٥٢ ه. وغير هؤلاء كثير جدا مما يدل على عظم النهضة العلمية التي عاشها ذلك العصر الذي تحدثنا عن ملامحه في عجالة يسيرة.
ترجمة الإمام المفسر ابن عادل الحنبلي
نسبه وكنيته ولقبه :
أبو حفص عمر بن علي سراج الدّين الدمشقي الحنبلي النعماني (٢).
الدمشقي بالكسر وفتح الميم وسكون الشين : إلى دمشق البلدة المعروفة وهي من مدن الشام.
الحنبلي (٣) : بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة وفي آخرها اللام وهذه النسبة لنخبة من العلماء اتصفوا بها لتنحّلهم مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي. إمام المحدثين وأحد دعائم الإسلام الأربعة (٤).
__________________
(١) د. سعيد عاشور : المجتمع المصري ص ١٤٧ ، ١٤٨.
(٢) ينظر : معجم البلدان ٢ / ٤٦٣ ـ ٤٧٠ ، الأنساب ٢ / ٤٩٢ ـ ٤٩٣ ، اللباب ١ / ٥٠٨.
(٣) ينظر : الأنساب ٢ / ٢٧٧ ، واللباب ١ / ٣٩٥ ، ولب اللباب ١ / ٢٦٠.
(٤) ينظر ترجمته في حلية الأولياء ٩ / ١٦١ ، وتاريخ بغداد ٤ / ٤١٢ ، ووفيات الأعيان ١ / ٤٧ ، والبداية والنهاية ١٠ / ٣٢٥ ، وتذكرة الحفاظ ١ / ٤٣١ ، والنجوم الزاهرة ٢ / ٣٠٤.