فصل في معنى العبادة
قال ابن الخطيب (١) رحمهالله تعالى : العبادة : عبارة عن الفعل الذي يؤتى به لغرض تعظيم الغير ، من قولهم : طريق معبّد ، أي : مذلّل ، فقوله : إيّاك نعبد ، معناه : لا أعبد أحدا سواك ، ويدلّ على هذا الحصر وجوه :
فذكر من جملتها : تسمية الله ، والرب ، والرحمن ، والرحيم ، ومالك يوم الدين ، وكونه قادرا بأن يمسك السّماء بلا إعانة ، وأرضا بلا دعامة ، ويسيّر الشمس والقمر ، ويسكن القطبين ، ويخرج من السّماء تارة النّار ؛ وهو البرق ، وتارة الهواء ؛ وهو الريح ، وتارة الماء ؛ وهو المطر.
وأما في الأرض فتارة يخرج الماء من الحجر ، وتارة يخرج الحجر من الماء ؛ وهو الجمد ، ثم جعل في الأرض أجساما مقيمة لا تسافر ؛ [وهي الجبال](٢) ، وأجساما مسافرة لا تقيم ؛ وهي الأنهار ، وخسف بقارون فجعل الأرض فوقه ، ودفع محمدا ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى قاب قوسين ، وجعل الماء نارا على قوم فرعون ؛ لقوله : (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) [نوح : ٢٥] ، وجعل النار بردا وسلاما على إبراهيم ـ عليهالسلام ـ ورفع موسى ـ عليهالسلام ـ فوق الطّور ، وغرق الدنيا من التّنّور ، وجعل البحر يبسا لموسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ فهذا من أداة الحصر.
والكلام في «إيّاك نستعين» كالكلام في «إيّاك نعبد».
والواو : عاطفة ، وهي من المشتركة في الإعراب والمعنى ، ولا تقتضى ترتيبا على قول الجمهور ، خلافا لطائفة من الكوفيين ولها أحكام تختص بها تأتي إن شاء الله تعالى.
وأصل «نستعين» : «نستعون» ؛ مثل : «نستخرج» في الصحيح ؛ لأنه من العون ، فاستثقلت الكسرة على الواو ، فنقلت إلى السّاكن قبلها ، فسكنت الواو بعد النّقل وانكسر ما قبلها ؛ فقلبت ياء.
وهذه قاعدة مطّردة ؛ نحو : «ميزان ، وميقات» ، وهما من : الوزن ، والوقت.
والسّين فيه معناها : الطلب ، أي : نطلب منك العون على العبادة ، وهو أحد المعاني التي ل «استفعل» ، وله معان أخر :
الاتخاذ : نحو : «استعبده» أي : اتخذه عبدا.
والتحول ؛ نحو : «استحجر الطّين» ، أي : صار حجرا ، ومنه قوله : «إنّ البغاث بأرضنا يستنسر» أي : تتحول إلى صفة النّسور.
ووجود الشّيء بمعنى ما صيغ منه ؛ نحو : «استعظمه» ، أي : وجده عظيما.
__________________
(١) ينظر الفخر الرازي : ١ / ١٩٦.
(٢) سقط في أ.