قلنا : هذا يلزم من جعل الاستعانة قبل الفعل ، ونحن نجعل التوفيق ، والاستعانة مع الفعل ، فلا فرق بين التقديم والتأخير.
وقيل : الاستعانة نوع تعبّد ، فكأنه ذكر جملة العبادة أوّلا ، ثم ذكر ما هو من تفاصيلها وأطلق كلّا من فعلي العبادة والاستعانة ، فلم يذكر لهما مفعولا ؛ ليتناولا كلّ معبود به ، وكلّ مستعان [عليه](١) ، أو يكون المراد وقوع الفعل من غير نظر إلى مفعول ؛ نحو : (كُلُوا وَاشْرَبُوا) [البقرة : ٦٠] أي أوقعوا هذين الفعلين.
فصل في نظم الآية
قال ابن الخطيب (٢) ـ رحمهالله تعالى ـ : قال تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) فقدّم قوله : «إيّاك» على قوله : «نعبد» ولم يقل : «نعبدك» لوجوه :
أحدها : أنه ـ تبارك وتعالى ـ قدّم ذكر نفسه ؛ لينبه (٣) العابد على أن المعبود هو الله ـ تعالى ـ فلا يتكاسل في التعظيم.
وثانيها : أنّه إن ثقلت عليك العبادات والطاعات وصعبت ، فاذكر أوّلا قوله : «إياك» ؛ لتذكرني ، وتحضر في قلبك معرفتي ، فإذا ذكرت جلالي وعظمتي ، وعلمت أني مولاك ، وأنك عبدي ؛ سهلت عليك تلك العبادة.
وثالثها : أن القديم الواجب لذاته متقدم في الوجود على المحدث الممكن لذاته ، فوجب أن يكون ذكره متقدما على جميع الأذكار.
فصل في نون «نعبد»
قال ابن الخطيب ـ رحمهالله تعالى ـ : لقائل أن يقول : النّون في قوله تعالى : (نَعْبُدُ) إما أن تكون نون الجمع ، أو نون العظمة ، والأول باطل ، لأن الشخص الواحد لا يكون جمعا ، والثاني باطل أيضا ؛ لأن عند أداء العبودية ، اللّائق بالإنسان أن يذكر نفسه بالعجز والذّلة لا بالعظمة.
واعلم أنه يمكن الجواب عنه من وجوه :
أحدها : أنّ المراد من هذه النون نون الجمع ، وهو تنبيه على أنّ الأولى بالإنسان ، أن يؤدي الصّلاة بالجماعة.
الثاني : أنّ الرجل إن كان يصلّي في جماعة ، فقوله : «نعبد» ، المراد منه ذلك الجمع ، وإن كان يصلّي وحده كان المراد أني أعبدك ، والملائكة معي.
الثالث : أنّ المؤمنين إخوة ، فلو قال : «إياك أعبد» كان قد ذكر عبادة نفسه ، ولم يذكر
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر الفخر الرازي : ١ / ١٩٩.
(٣) في أ : ليتنبه.