والآخرون : بضمّ الميم ، وكسر الهاء ؛ لأجل الياء أو لكسر ما قبلها ، وضمّ الميم على الأصل ، وقرأ عمر بن الخطّاب (١) ـ رضي الله تعالى عنه ـ : «صراط من أنعمت عليهم».
قال ابن الخطيب (٢) ـ رحمهالله تعالى ـ : اختلف في حدّ النّعمة :
فقال بعضهم : إنها عبارة عن المنفعة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير.
[ومنهم من يقول : المنفعة الحسنة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير].
قالوا : وإنما زدنا على هذا القيد ، لأن النعمة يستحقّ لها الشكر بالإحسان [والحقّ أن هذا القيد غير معتبر ؛ لأنه لا يجوز إن يستحق الشكر بالإحسان](٣) ، وإن كان فعله محظورا ؛ لأن جهة استحقاق الشكر غير جهة استحقاق الذّنب والعقاب ، فأيّ امتناع في اجتماعهما؟ ألا ترى أن الفاسق يستحقّ بإنعامه الشّكر ، والذّمّ بمعصية الله تعالى ، فلا يجوز أن يكون الأمر ها هنا كذلك.
ولنرجع إلى تفسير الحدّ ، فنقول : أما قولنا : «المنفعة» ؛ فلأن المضرّة المحضة لا تكون نعمة.
وقولنا : المفعولة على جهة الإحسان ؛ لأنه لو كان نفعا حقّا وقصد الفاعل به نفع نفسه ، نفع المفعول به ، فلا يكون نعمة (٤) ، كمن أحسن إلى جاريته ، ليربح عليها.
وها هنا فوائد :
الفائدة الأولى : أنّ كلّ ما يصل إلى الخلق من النفع ، ودفع الضّرر ، فهو من الله تعالى على ما قال تبارك وتعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النحل : ٥٣] ثمّ إنّ النعمة على ثلاثة أقسام :
أحدها : نعمة تفرّد الله ـ تعالى ـ بإيجادها ، نحو : أن خلق ورزق.
وثانيها (٥) نعمة وصلت إلينا من جهة غير الله ـ تعالى ـ في ظاهر الأمر ، وفي الحقيقة فهي ـ أيضا ـ إنّما وصلت من الله تبارك وتعالى ؛ وذلك لأنه ـ تعالى ـ هو الخالق لتلك النعمة ، والخالق لذلك المنعم ، وخالق لداعية الإنعام بتلك النعمة في قلب ذلك المنعم ، إلّا أنه تبارك وتعالى لمّا أجرى تلك النعمة على يد ذلك العبد ، كان ذلك العبد مشكورا ، ولكن المشكور في الحقيقة هو الله ـ تعالى ـ ولهذا قال تعالى : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان : ١٤] فبدأ بنفسه ، تنبيها على أن إنعام الخلق لا يتمّ إلّا بإنعام الله تعالى.
وثالثها : نعم وصلت من الله إلينا بسبب طاعتنا ، وهي أيضا من الله تعالى (٦) ؛ لأنه
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر الفخر الرازي : ١ / ٢٠٨.
(٣) سقط في ب.
(٤) في أ : إحسانا.
(٥) سقط في أ.
(٦) سقط في أ.