ولو لم تحصل النعمة ، لم يلزم من عدم إقدامهم على الشكر محذور ؛ لأنّ الشكر لا يمكن إلّا عند حصول النعمة.
الفائدة الثالثة : قال ابن الخطيب (١) ـ رحمهالله ـ : قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) يدل على إمامة أبي بكر ـ رضي الله عنه ؛ لأنا ذكرنا أن تقدير الآية : «اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم» والله ـ تعالى ـ قد بيّن في آية أخرى أنّ (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) من هم ؛ بقوله تعالى : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ) [النساء : ٦٩] ورئيسهم أبو بكر الصّديق ـ رضي الله تعالى عنه ـ فكان معنى الآية أن الله ـ تعالى ـ أمرنا أن نطلب الهداية [التي كان عليها أبو بكر الصديق ، وسائر الصّديقين ، ولو كان أبو بكر ـ رضي الله تعالى عنه ـ غير إمام ، لما جاز الاقتداء به](٢) ، فثبت [بما ذكرناه دلالة هذه الآية على](٣) إمامة أبي بكر رضي الله عنه.
الفائدة الرابعة : قوله تعالى : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) يتناول كلّ من كان لله ـ تعالى ـ عليه نعمة ، وهذه النعمة إما أن يكون المراد منها نعمة الدنيا ، أو نعمة الدين ، والأول باطل فثبت أن المراد منه نعمة الدين.
فنقول : كل نعمة دينيّة سوى الإيمان فهي مشروطة بحصول الإيمان ، وأمّا نعمة الإيمان فيمكن حصولها خاليا عن سائر النعم الدينية ، وهذا يدلّ على أن المراد من قوله تعالى : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) هو نعمة الإيمان ، فرجع حاصل القول في قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) أنه طلب لنعمة الإيمان ، وإذا ثبت هذا الأصل ، فيتفرع عليه أحكام :
الأول : أنه لما ثبت أن المراد من هذه النعمة نعمة الإيمان ، إذ لفظ الآية الكريمة صريح في أن الله ـ تعالى ـ هو المنعم بالنعمة ، ثبت أنّ الخالق للإيمان ، والمعطي للإيمان هو الله تعالى ، وذلك يدلّ على فساد قول المعتزلة ، وكان الإيمان أعظم النعم ، فلو كان الفاعل للإيمان هو العبد لكان إنعام العبد أشرف وأعلى من إنعام الله تعالى ، ولو كان كذلك لما حسن من الله ـ تعالى ـ أن يذكر إنعامه في معرض التعظيم.
الحكم الثاني : يجب ألّا يبقى المؤمن مخلدا في النار ؛ لأن قوله : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) مذكور في معرض التّعظيم بهذا الإنعام ، ولو لم يكن له أثر في دفع العذاب المؤبّد لكان قليل الفائدة ، فما كان يحسن من الله ـ تعالى ـ ذكره في معرض التّعظيم.
الحكم الثالث : دلّت الآية الكريمة على أنه لا يجب على الله ـ تعالى ـ رعاية [الصلاح والأصلح](٤) في الدين ؛ لأنه لو كان الإرشاد على الله ـ تعالى ـ واجبا لم يكن ذلك إنعاما ،
__________________
(١) ينظر الفخر الرازي : ١ / ٢٠٩.
(٢) سقط في : أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في أ.