وقيل : «الضالون» هم النصارى ؛ لأن الله ـ تعالى ـ حكم على اليهود بالغضب فقال تعالى : (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) [المائدة : ٦٠] ، وحكم على النصارى بالضّلال فقال تعالى : (وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ) [المائدة : ٧٧].
وقيل : هذا ضعيف ؛ لأن منكري الصّانع والمشركين أخبث دينا من اليهود والنصارى ، فكان الاحتراز من دينهم أولى.
وقيل : (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) : هم الكفّار ، و «الضالون» : هم المنافقون.
وقال سهل بن عبد الله رضي الله عنهما : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) بالبدعة ، «والضّالين» عن السّنّة.
والأولى أن يحمل (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) على كل من أخطأ في الاعتقاد ؛ لأن اللفظ عام ، والتقييد خلاف الأصل.
فصل في عصمة الأنبياء والملائكة
قال ابن الخطيب ـ رحمهالله تعالى ـ : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) يدلّ على أن أحدا من الملائكة ، والأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ ما أقدم على عمل مخالف قول الدين ، ولا على اعتقاد مخالف اعتقاد دين الله ؛ لأنه لو صدر عنه ذلك لكان قد ضلّ عن الحق ، لقوله تعالى : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) [يونس : ٣٢] ، ولو كانوا ضالين لما جاز الاقتداء بهم ، ولا بطريقهم ، ولكانوا خارجين عن قوله تعالى : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ، ولما كان ذلك باطلا علمنا بهذه الآية عصمة الملائكة ، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
فصل في إضافة الغضب لله
قالت المعتزلة : غضب الله ـ تعالى ـ عليهم يدلّ على كونهم فاعلين للقبائح باختيارهم ، وإلّا لكان الغضب عليهم ظلما من الله ـ تعالى ـ عليهم.
وقال أصحابنا ـ رحمهمالله تعالى ـ : لما ذكر غضب الله عليهم ، وأتبعه بذكر كونهم ضالين دلّ ذلك على أن غضب الله ـ تعالى ـ عليهم علّة لكونهم ضالين ، وحينئذ تكون صفة الله ـ تعالى ـ مؤثرة في صفة العبد.
أما لو قلنا : إن كونهم ضالين يوجب غضب الله ـ تعالى ـ عليهم لزم أن تكون صفة العبد مؤثرة في صفة الله تعالى ، وذلك محال.
فصل
قال ابن الخطيب (١) ـ رحمهالله تعالى ـ : دلّت هذه الآية على أن المكلّفين ثلاث فرق :
__________________
(١) ينظر الفخر الرازي : ١ / ٢١١.