فالجواب : أنّ الذين كملت نعم الله ـ تعالى ـ عليهم هم الذين جمعوا بين معرفة الحقّ لذاته ، والخير لأجل العمل به ، فهؤلاء هم المرادون بقوله : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ، فإن اختلّ قيد العمل فهم الفسقة ، وهم المغضوب عليهم ، كما قال تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ) [النساء : ٩٣].
وإن اختلّ قيد العلم فهم الضّالون لقوله تعالى : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) [يونس : ٣٢].
فصل في حروف لم ترد في هذه السورة
قالوا : إنّ هذه السورة لم يحصل (١) فيها سبعة من الحروف ، وهو الثاء ، والجيم ، والخاء ، والزاي ، والشين ، والظاء ، والفاء ، والسبب فيه أن هذه الحروف مشعرة بالعذاب ، فالثاء أوّل حروف الثبور.
والجيم أوّل حروف جهنم.
والخاء أول حروف الخزي.
والزاي والشين أول حروف الزفير والشّهيق ، والزّقوم والشّقاوة.
والظّاء أول حرف ظلّ ذي ثلاث شعب ، ويدل أيضا على لظى الظاء.
والفاء أول حروف الفراق قال تعالى : (يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) [الروم : ١٤].
قلنا : فائدته أنه ـ تعالى ـ وصف جهنّم بأن (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) [الحجر : ٤٤] فلما أسقط هذه الحروف السّبعة الدّالة على العذاب من هذه السورة نبّه بذلك على أن من قرأ هذه السورة ، وآمن بها ، وعرف حقائقها أمن من دركات جهنم السّبعة.
القول في «آمين» : ليست من القرآن إجماعا ، ومعناها : اللهم اسمع واستجب.
وقال ابن عباس وقتادة ـ رضي الله تعالى عنهما ـ : معناه كذلك يكون ، فهي اسم فعل مبنيّ على الفتح.
وقيل : ليس باسم فعل ، بل هو من أسماء الباري تعالى ، والتقدير : يا آمين ، وضعف أبو البقاء هذا بوجهين :
أحدهما : أنه لو كان كذلك لكان ينبغي أن يبنى على الضّمّ ، لأنه منادى مفرد معرفة.
__________________
(١) في أ : يجعل.