[لأن النص الذي تمسكوا به قوله تعالى : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) وقد بينا أنه دليلنا.
__________________
ـ مصدر «قايس» من المفاعلة لا مصدر «قاس» من الثلاثيّ ؛ لأن المساواة من الطرفين ، ومصدر الثاني قيس ، يقال : قاس يقيس قيسا ؛ فعلى هذا ، يكون لكلّ من المصدرين المذكورين فعل يخصّه ، ويكون الأول فعله رباعيّ ، وهو «قايس» ، والثاني ثلاثيّ ، وهو «قاس» ، وفي «القاموس المحيط» للفيروز آباديّ و «لسان العرب» لابن منظور ما يدلّ على أن المصدرين المذكورين أصل لفعل واحد ؛ وعلى هذا ، يقال لغة : قاس الشيء بغيره وعليه ، يقيسه قيسا وقياسا ، واقتاسه : قدّره على مثاله ، وإلى ذلك ذهب الإسنويّ ؛ حيث قال : القياس والقيس مصدران ل «قاس» ، وأكثر الأصوليّين يقولون : إنّ القياس بحسب أصل اللغة ؛ يتعدّى ب «الباء» ، وأن المستعمل في عرف الشرع يتعدّى ب «على» ؛ لتضمّنه معنى البناء والحمل.
والخلاصة : أنه يمكن القول بأنه لا حاجة إلى ذلك ؛ لأن ما ذكر في كتب اللغة المذكورة يدلّ على أن القياس يتعدّى ب «على» كما يتعدّى ب «الباء» ؛ وعليه : فلا معنى للتضمين ، إلّا أن يقال : إنّ المستعمل من القياس في عرف الشرع لا يكاد يذكر إلّا متعدّيا ب «على».
وتنوّعت آراء الأصوليّين في حكاية معنى القياس لغة : فرأي يرى : أنه هو التقدير والمساواة والمجموع منهما ؛ وعليه ، فيكون لفظ «القياس» على هذا مشتركا لفظيّا بين هذه المعاني الثلاثة ، أي : وضع لكلّ منها بوضع ؛ لأن تعريف المشترك اللّفظيّ هو : ما اتّحد لفظه وتعدّد معناه ووضعه ؛ كما هو مبيّن في باب الاشتراك ، مثال المعنى الأوّل من الثلاثة : قست الثّوب بالذّراع.
ومثال المعنى الثاني : فلان لا يقاس بفلان ، أي : لا يساويه.
ومثال المعنى الثالث : قست النّعل بالنّعل ، أي : قدّرته به ، فساواه ، وهذا ما ذهب إليه الإمام القاضي المحقّق عضد الدّين ؛ أخذا من إيراده الأمثلة الثلاثة.
ورأي يرى : أنه حقيقة في التقدير ، مجاز لغويّ في المساواة ، وذلك باعتبار أنّ التقدير يستدعي شيئين ، يضاف أحدهما إلى الآخر بالمساواة ؛ فيكون تقدير الشيء مستلزما للمساواة ، واستعمال لفظ الملزوم في لازمه شائع ، وهذا ما ذهب إليه سيف الدّين الآمديّ في «الإحكام» ؛ وعلاقة المجاز على هذا اللازمية ، والملزوميّة.
ورأي يرى : أنه حقيقة عرفيّة ؛ وعليه جرى محبّ الدّين بن عبد الشّكور الهنديّ ، صاحب «مسلّم الثّبوت».
وعلى هذا القول ، والقول بالمجاز ؛ فالمناسبة بين المعنى اللغوي ، وهو التقدير ، والمعنى الاصطلاحيّ إنما هي باعتبار هذا اللازم ، وهو المساواة ؛ فإن المعنى الاصطلاحي ، إما مساواة خاصّة ، فيكون من أفراد هذا اللازم ، أو يتضمّنها ويبنى عليها. ويرى فريق آخر : أنه هو مشترك معنويّ ، وهو ما اتحد لفظه ومعناه ، كما هو مذكور في «باب الاشتراك» من كتب الأصول ، لأن معنى «القياس» على هذا الرأي : هو التقدير فقط ، وهو كلّيّ تحته فردان ؛ بحيث يطلق لفظ «القياس» عليهما ؛ باعتبار شمول معناه ـ الّذي هو التقدير ـ لهما وصدقه عليهما :
الأوّل : استعلام القدر ، أي طلب معرفة مقدار الشيء ، مثل : قست الثوب بالذّراع.
والثاني : التّسوية في مقدار ؛ مثل : قست النّعل بالنّعل ، سواء كانت التسوية حسّيّة ؛ كالمثالين السابقين ، أم معنوية ؛ كما يقال : فلان لا يقاس بفلان ، أي : لا يساويه ، ومنه قول الشاعر : [البسيط]
خف يا كريم على عرض تدنّسه |
|
مقال كلّ سفيه لا يقاس بكا |
ووجه نقل القياس على هذا القول إلى المعنى الاصطلاحي ظاهر ، كما أن نقله إلى المعنى الاصطلاحي ؛ على القول بالاشتراك اللفظيّ ، إنما هو من معنى المساواة ، كما هو واضح. ـ