قال : «أمرني رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن أخرج وأنادي : لا صلاة إلا بقراءة ، ولو بفاتحة الكتاب» (١).
والجواب عن الأول : أنا بيّنا أنّ هذه الآية من أقوى الدلائل على قولنا.
وعن الثاني : أنه معارض بما نقل عن أبي هريرة ، وأيضا لا يجوز أن يقال : المراد من قوله : «لا صلاة إلا بقراءة ، ولو بفاتحة الكتاب» هو أنه لو اقتصر على الفاتحة لكفى.
فصل في بيان هل التسمية آية من الفاتحة أم لا؟
قال الشافعي ـ رضي الله عنه ـ : التّسمية آية من الفاتحة ، ويجب قراءتها مع الفاتحة ، وقال مالك والأوزاعي ـ رضي الله تعالى عنهما ـ : إنها ليست من القرآن إلّا في سورة النّمل ، ولا يجب قراءتها سرّا ولا جهرا ، إلّا في قيام شهر رمضان ، فإنه يقرؤها.
وأما أبو حنيفة ـ رحمهالله ـ فلم ينص عليها ، وإنما قال : يقول : بسم الله الرحمن الرحيم ويسرّ بها ، ولم يقل : إنها آية من أول السورة أم لا.
قال : سئل محمد بن الحسن ـ رحمهالله ـ عن «بسم الله الرحمن الرحيم» فقال : ما بين الدّفّتين كلام الله ـ عزوجل ـ القرآن.
قلت : فلم يسرّ بها؟ فلم يجبني.
وقال الكرخي (٢) ـ رحمهالله تعالى ـ : لا أعرف هذه المسألة بعينها لمتقدّمي أصحابنا ، إلا أن أمرهم بإخفائها يدل على أنها ليست من السورة.
وقال بعض الحنفية ـ رحمهمالله ـ : تورّع أبو حنيفة وأصحابه ـ رحمهمالله ـ عن الوقوع في هذه المسألة ؛ لأن الخوض في أن التسمية من القرآن ، أو ليست من القرآن أمر عظيم ، فالأولى السّكوت عنه.
حجّة من قال : إن التسمية من الفاتحة :
__________________
ـ ولم ير النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن عمر وعلي وأبي ذر ، وعنه قتادة وأيوب وأبو التياح والجريري وخلق. وثقه ابن المديني وأبو حاتم والنسائي ، قال سليمان التيمي : إني لأحسب أبا عثمان كان لا يصيب ذنبا ، كان ليله قائما ونهاره صائما ، وقيل : إنه حج واعتمر ستين مرة ، قال عمرو بن علي : مات سنة خمس وتسعين ، وقال ابن معين : سنة مائة عن أكثر من مائة وثلاثين سنة. ينظر تهذيب الكمال : ٢ / ٨١٩ ، تهذيب التهذيب : ٦ / ٢٧٧ (٥٤٦) ، تقريب التهذيب : ١ / ٤٩٩ (١١٢٣) ، خلاصة تهذيب الكمال : ٢ / ١٥٣ ، الكاشف : ٢ / ١٨٧.
(١) أخرجه الدارقطني في السنن ١ / ٣٣١ باب وجوب قراءة أم الكتاب في الصلاة وخلف الإمام.
(٢) عبيد الله بن الحسين الكرخي ، أبو الحسن : فقيه ، انتهت إليه رياسة الحنفية بالعراق ولد ٢٦٠ ه له رسالة في الأصول التي عليها مدار فروع الحنفية ، شرح الجامع الصغير ، شرح الجامع الكبير. توفي في بغداد ٣٤٠ ه. ينظر الأعلام : ٤ / ١٩٣ ، تاريخ بغداد : ١٠ / ٣٥٣ ـ ٣٥٥ ، الفوائد البهية : ص ١٠٨ ـ ١٠٩ ، هدية العارفين : ١ / ٦٤٦.