وروي أن معاوية (١) ـ رضي الله عنه ـ لما قدم «المدينة» فصلّى بالناس صلاة يجهر فيها ، فقرأ أمّ القرآن ، ولم يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٢) ، فلما قضى صلاته ناداه المهاجرون والأنصار من كل ناحية أنسيت؟ أين (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) حين استفتحت القرآن؟
فأعاد معاوية الصّلاة ، وقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.)
وهذا يدلّ على إجماع الصّحابة على أنها من القرآن ومن الفاتحة ، وعلى أن الأولى الجهر بقراءتها.
فصل في بيان عدد آيات الفاتحة
حكي عن الزّمخشري : الاتفاق على كون الفاتحة سبع آيات.
وحكى ابن عطية قولين آخرين :
أحدهما : هي ستّ آيات ، فأسقط البسملة ، وأسقط (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ).
والثاني : أنها ثماني آيات فأثبتهما.
قال ابن الخطيب ـ رحمهالله تعالى ـ : رأيت في بعض الروايات الشّاذة أن الحسن البصري ـ رضي الله تعالى عنه ـ كان يقول : إنّ هذه السورة ثماني آيات ، فأما الرواية المشهورة التي عليها الأكثرون أنها سبع آيات ، وبه فسّروا قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) [الحجر : ٨٧].
إذا ثبت هذا ، فنقول : إنّ الذين قالوا : إن البسملة آية من الفاتحة قالوا : قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة : ٧] إلى آخرها آية تامة منها.
وأما أبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ فإنه لما أسقط البسملة قال : قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) آية ، وقوله : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) آية آخرى.
ودليل الشّافعي ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن مقطع قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ
__________________
(١) معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب الأموي أبو عبد الرحمن ، أسلم زمن الفتح له مائة وثلاثون حديثا. اتفقا على أربعة. وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة وعنه أبو ذر مع تقدمه وابن عباس ومن التابعين جبير بن نفير وابن المسيب وخلق. قال الحافظ شمس الدين الذهبي : ولي الشام عشرين سنة وملك عشرين سنة ، وكان حليما كريما سائسا عاقلا ، خليقا للإمارة كامل السؤدد ذا دهاء ورأي ومكر ، كأنما خلق للملك ، وقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن ملكت فاعدل» توفي في رجب سنة ستين.
ينظر ترجمته في تهذيب الكمال : ٣ / ١٣٤٤ ، تهذيب التهذيب : ١٠ / ٢٠٧ (٣٨٥) ، خلاصة تهذيب الكمال : ٣ / ٣٩.
(٢) أخرجه الدارقطني في السنن ١ / ٣١١.