أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) لا يشابه مقطع الآيات المتقدمة ، ورعاية التشابه في المقاطع لا زم ، لأنا وجدنا مقاطع القرآن على ضربين : متقاربة ، ومتشاكلة. فالمتقاربة كسورة «ق».
والمتشاكلة في سورة «القمر» ، وقوله تعالى : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ليس من القسمين ، فامتنع جعله من المقاطع.
وأيضا إذا جعلنا قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) ابتداء آية ، فقد جعلنا أول الآية لفظ «غير» ، وهذا اللفظ إما أن يكون صفة لما قبله ، أو استثناء مما قبله ، والصفة مع الموصوف كالشيء الواحد ، وكذلك المستثنى مع المستثنى منه كالشيء الواحد ، وإيقاع الفصل [بينهما](١) على خلاف الدليل ، أما إذا جعلنا قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) إلى آخر السورة آية واحدة [كنا قد جعلنا الموصوف مع الصفة ، وكذلك المستثنى مع المستثنى منه كلاما واحدا ، وآية واحدة](٢) ، وذلك أقرب إلى الدليل.
فصل هل البسملة آية من أوائل السور أم لا؟
وللشافعي قولان :
قال ابن الخطيب : «والمحققون من أصحابنا (٣) اتفقوا على أن بسم الله قرآن من سائر السور ، وجعلوا القولين في أنها هل هي آية تامة وحدها من كل سورة ، أو هي مع ما بعدها آية».
وقال بعض الحنفية : إن الشافعي خالف الإجماع في هذه المسألة ؛ لأن أحدا ممن قبله لم يقل : إن (بِسْمِ اللهِ) آية من أوائل سائر السور.
ودليلنا أن (بِسْمِ اللهِ) مكتوب في أوائل السور بخط القرآن ، فوجب كونه قرآنا ، واحتج المخالف بما روى أبو هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال في سورة «الملك» إنها ثلاثون آية ، وفي سورة «الكوثر» إنها ثلاث آيات ، ثم أجمعوا على أن هذا العدد حاصل بدون التسمية ، فوجب ألا تكون التسمية آية من هذه السور.
والجواب أنا إذا قلنا : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) مع ما بعدها آية واحدة ، فالإشكال زائل.
فإن قالوا : لما اعترفتم بأنها آية تامة من أول الفاتحة ، فكيف يمكنكم أن تقولوا : إنها بعض آية من سائر السور؟
قلنا : هذا غير بعيد ، ألا ترى أن قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) آية تامة؟
ثم صار مجموع قوله تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [يونس : ١٠] آية واحدة ، فكذا هاهنا.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) في ب : الأصحاب.