فصل في الحروف المقطعة
سئل الشعبي (١) ـ رحمهالله تعالى ـ عن هذه الحروف فقال : سرّ الله ، فلا تطلبوه.
وروى أبو ظبيان (٢) عن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ قال : عجزت العلماء عن إدراكها ، وقال الشعبي وجماعة رحمهمالله سائر حروف التهجيّ في أوائل السور من المتشابهة الذي استأثر الله بعلمه ، وهي سرّ القرآن ؛ فنحن نؤمن بظاهرها ، ونكل العلم فيها إلى الله تعالى.
قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه : «في كل كتاب سرّ ، وسرّ الله ـ تعالى ـ في القرآن أوائل السور».
ونقل ابن الخطيب رحمهالله أن المتكلمين أنكروا هذا القول ، وقالوا : لا يجوز أن يرد في كتاب الله ما لا يكون مفهوما للخلق ، واحتجوا عليه بآيات منها :
قوله تبارك وتعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [محمد : ٢٤] بالتدبّر في القرآن ، ولو كان غير مفهوم ، فكيف يأمر بالتدبّر فيه.
__________________
ـ وإجراؤه على النون مضافا لما بعده ، وعلى هذا في «ميم» الصرف وعدمه ؛ بناء على تذكير الحرف وتأنيثه ، أما «كهيعص وحمعسق» فلا يجوز فيهما إلا الحكاية سواء أضيف إليهما سورة أم لا ، ولا يجوز فيهما الإعراب ؛ لأنه لا نظير لهما في الأسماء المعربة ، ولا تركيب المزج ؛ لأنه لا يركبه أسماء كثيرة وأجاز يونس في «كهيعص» أن تكون كلمة مفتوحة والصاد مضمومة ؛ ووجهه أنه جعله اسما أعجميا ، وأعربه وإن لم يكن له نظير في الأسماء المعربة.
انظر همع الهوامع : (١ / ٣٥) ، والارتشاف : (١ / ٤٤٤).
(١) عامر بن شراحيل الحميري الشعبي أبو عمرو الكوفي ، الإمام العلم ، ولد لست سنين خلت من خلافة عمر روى عنه وعن علي وابن مسعود ، ولم يسمع منهم ، وعن أبي هريرة وعائشة وجرير وابن عباس وخلق قال : أدركت خمسمائة من الصحابة ، وعنه ابن سيرين والأعمش وشعبة وجابر الجعفي وخلق ، قال أبو مجلز ما رأيت فيهم أفقه من الشعبي وقال العجلي : مرسل الشعبي صحيح وقال ابن عيينة : كانت الناس تقول : ابن عباس في زمانه والشعبي في زمانه ، قال الشعبي ما كتبت سوداء في بيضاء ، قال يحيى بن بكير : توفي سنة ثلاث ومائة.
ـ تنظر ترجمته في تهذيب الكمال : ٢ / ٦٤٣ ، تهذيب التهذيب : ٥ / ٦٥ (١١٠) ، تقريب التهذيب : ١ / ٣٨٧ (٤٦) ، خلاصة تهذيب الكمال : ٢ / ٢٢ ، الكاشف : ٤ / ٥٤ ، تاريخ البخاري الكبير : ٦ / ٤٥٠ ، تاريخ البخاري الصغير : ١ / ٢٤٣ ، ٢٥٣ ، الجرح والتعديل : ٦ / ١٨٠٢ ، الوافي بالوفيات : ١٦ / ٥٨٧ ، والحلية : ٤ / ٣١٠.
(٢) الحصين بن جندب بن عمرو بن الحارث الجنبي بفتح الجيم أبو ظبيان الكوفي عن حذيفة وسلمان وعلي وطائفة ، وعنه ابن قابوس وحصين بن عبد الرحمن وسماك وعطاء وثقه ابن معين. قال ابن سعد : توفي سنة تسعين.
ينظر تهذيب الكمال : ١ / ٢٩٧ ، تهذيب التهذيب : ٢ / ٣٧٩ ، تقريب التهذيب : ١ / ١٨٢ ، خلاصة تهذيب الكمال : ١ / ٢٣٣ ، الكاشف : ١ / ٢٣٦ ، تاريخ البخاري الكبير : ٣ / ٣.